للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر: ليس بينك وبين بلد نسب، فخير البلاد ما حملك.

قال ابن رشيق: كتبت إلى بعض إخواني: مثل الرجل القاعد- أعزّك الله- كمثل الماء الراكد، إن ترك تغيّر، وإن تحرّك تكدّر، ومثل المسافر كالسحاب الماطر، هؤلاء يدعونه رحمة، وهؤلاء يدعونه نقمة، فإذا اتصلت أيامه، ثقل مقامه، وكثر لوّامه، فاجمع لنفسك فرجة الغيبة، وفرحة الأوبة، والسلام.

وقال ابن رشيق: [البسيط]

غب عن بلادك وارج حسن مغبّة ... إن كنت حقا تشتكي الإقلالا

فالبدر لم يجحف به إدباره ... ألّا يسافر يطلب الإقبالا

وقال أبو الطّيب: [الطويل]

وما بلد الإنسان غير الموافق ... ولا أهله الأدنون غير الأصادق (١)

وقال البحتريّ: [الخفيف]

وإذا ما تنكرت لي بلاد ... أو صديق فإنني بالخيار (٢)

وقال أبو الطّيب: [الطويل]

إذا لم أجد في بلدة ما أريده ... فعندي لأخرى عزمة وركاب

وقال إبراهيم بن العبّاس الصوليّ: [البسيط]

لا يمنعنّك خفض العيش في دعة ... نزوع نفس إلى أهل وأوطان (٣)

تلقى بكلّ بلاد إن حللت بها ... أهلا بأهل وجيرانا بجيران

أي لا يمنعنّك الشوق إلى الوطن في الغربة من الاستمتاع بلذة العيش، فالأرض واحدة، والناس جنس واحد. وفي غير الحماسة: [البسيط]

لا يمنعنّك خفض العيش في دعة ... من أن تبدّل أوطانا بأوطان

برفع «خفض»، أي لا يمنعنك عيشك الهنيء في بلدك أن تجول في البلدان، وترى الناس، فتستفيد النزهة والتجربة.

وقالوا: المسافر يسمع العجائب، ويكشف التجارب، ويجلب المكاسب. أوحش أهلك إذا كان أنسك في إيحاشهم، واهجر وطنك إذا نبت نفسك عنه.

قيل لأعشى بكر: إلى كم ذا الاغتراب؟ أما ترضى بالدّعة! قال: لو دامت الشمس عليكم يومين لمللتموها.


(١) البيت في ديوان المتنبي ٢/ ٣٢٠.
(٢) البيت في ديوان البحتري ص ٩٨٧.
(٣) البيتان في ديوان الصولي ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>