للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ونزل الفرزدق على ابنه حمزة، وقال: [الكامل]

أصبحت قد نزلت بحمزة حاجتي ... إن المنوّه باسمه الموثوق (١)

بأبي عمارة خير من وطئ الحصى ... وجرت له في الصالحين عروق

بين الحواريّ الأغرّ وهاشم ... ثم الخليفة بعد والصّدّيق

فكان كلّ ما أصلح حمزة بن عبد الله من شأن الفرزدق نهارا أفسدته بنت منظور ليلا، حتى غلبت النّوار، وقضى ابن الزبير عليه، فقال: [البسيط]

أمّا البنون فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا (٢)

ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

فلما سمع ابن الزبير شعره، توقّف في أمره، فلقيه يوما بباب المسجد، فضمّه إلى الحائط، حتى كادت تزهق نفس الفرزدق. وكان الزبير في غاية من القوّة، ثم هزّه وتركه خائفا، ثم دخل على النّوار، فقال لها: إمّا أن تتمّي زواج ابن عمّك وإلا قتلته، وأرحت المسلمين من شرّ لسانه، فقالت له: ولا بدّ أن تقتله؟ قال: ولا بدّ، فعطفها عليه رحم القرابة، وقالت: لا والله لا أدعه للقتل، قد رضيته. فتزوّجها، فحكم عليه ابن الزبير بمهر مثلها عشرة آلاف درهم، فسأل: هل بمكة أحد يعينه؟ فدلّ على سلم بن زياد، وكان ابن الزبير قد حبسه، فقال: [الطويل]

دعي مغلقي الأبواب دون فعالهم ... ومرّي بمسرى لي هبلت إلى سلم (٣)

إلى من يرى المعروف سهلا سبيله ... ويفعل أفعال الكرام التي تنمي

ثم دخل على سلم؛ وأنشده القصيدة، فقال: هي لك ومثلها لنفقتك، فقبض عشرين ألفا، فدفع مهرها، فدخل بها، وأحبلها قبل أن تخرج من مكة، ثم خرج بها، وهما عديلان في محمل، وكانت أبدا تخالفه وتسبّه، لأنها كانت صالحة الدّين، وكان هو رديء الدين، زانيا قاذفا للمحصنات، فكانت تكرهه.

ومن ملح أخبارها أنه راود امرأة شريفة على نفسها، فامتنعت عليه، فتهدّدها بالهجاء، فاستعانت بالنّوار، فقالت: واعديه ليلة؛ ثم أعلميني. ففعلت، وجاءت النّوار، ودخلت الحجلة مع المرأة، فلما دخل الفرزدق البيت، أمرت الجارية فأطفأت السراج، وبادر الحجلة والنّوار فيها، وهو لا يشكّ أنها صاحبة الدار، فواقعها. فلما فرغ قالت: يا عدوّ الله، يا فاسق! فعرفها، وعلم أنه قد خدع، فقال لها: وأنت هي! يا سبحان الله! ما أطيبك حراما، وأبردك حلالا! فلم تزل تؤذيه بلسانها حتى أبغضها.


(١) الأبيات في ديوان الفرزدق ص ٥٧٠.
(٢) الأبيات في ديوان الفرزدق ص ٨٧٣.
(٣) البيتان في ديوان الفرزدق ص ٧٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>