للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحضر فوق جهد الحضر نصّا ... يصيدك نافلا والمخّ رار

أي: يصيد لك. ونافلا: ثانيا، ورار: ذائب من الهزال؛ وحكاية السّليك، عن أبي عبيدة، وحكاية الشّنفري عنه وعن الشيبانيّ؛ وكلتاهما على اختصار.

ونزل على جماعة من كنانة ضيفا، فأكرموه، وجمعوا له إبلا كثيرة، وأعطوه إياها، وكان قد كبر وشاخ، وذهبت قوّته، وانتقص عدوه، فقالوا له: إن رأيت أن ترينا ما بقي من عدوك! قال: نعم، ابغوا لي أربعين شابا، وأتوني بدرع ثقيلة عظيمة، فأتوا بها واختاروا من شبانهم أربعين أقوياء عدّاءين، فلبس سليك الدرع، ثم قال للشبّان:

الحقوني، ثم عدا عدوا وسطا، وعدا الشبان وراءه جهدهم، فلم يلحقوه حتى غاب عنهم، ثم كرّ راجعا حتى عاد إلى قوم وحده يخطر، والدرع عليه، وسبق الشبّان.

وخرج في ليلة مقمرة يطلب الإغارة، فغلب عليه النوم آخر الليل، فبينما هو ملتفّ بكساء، جثم عليه رجل مثله، شديد البأس، عظيم القوّة، وأمسك على يديه، ومنعه التحرّك، وجعل يلمزه ويؤذيه، ويقول له: استأسر يا خبيث، فاجتهد سليك حتى خلّص إحدى يديه، فضمّ الرجل إليه ضمّة، وعصره عصرة، فضرط، فقال له: أضرطا وأنت الأعلى! فأرسلها مثلا، فلما تخلّص منه، قال له: من أنت؟ قال: أنا رجل افتقرت فقلت: لأخرجنّ ولا أرجع إلى أهلي حتى آتيهم وأنا غنيّ. فقال له السّليك: انطلق معي، فانطلقا فوجدا ثالثا، قصّته قصّتهما، فاصطحبوا حتى أتوا واديا لمراد، فلما أشرفوا عليه إذا فيه نعم، قد ملأ نواحيه من كثرته، فقال لهما السليك: كونا قريبا منّي حتّى آتي الرّعاء، فأعلم علم الحيّ: أهو قريب أم بعيد؟ فإن كان قريبا رجعت، وإن كان بعيدا أوحيت إليكما بقولي فأغيرا. فأتي الرّعاء فاستخبرهم عن الحيّ، فأخبروه ببعد الحيّ، وأنهم إن طلبوا لم يدركوا، فقال للرّعاء: ألا أغنّيكم؟ قالوا: بلى، فرفع صوته فغنّى:

[البسيط]

يا صاحبيّ ألا لا حيّ في الوادي ... سوى عبيد وآم بين أذواد (١)

أتنظران قريبا ريث غفلتهم ... أم تغدوان فإن الريح للعادي

فلما سمعا ذلك أتياه، وطردوا الإبل فذهبوا بها، ولم يبلغ الصريخ الحيّ، حتى فاتوا بالإبل.


(١) البيت الأول للسليك بن السلكة في ديوانه ص ٥١، ولسان العرب (أما)، وتاج العروس (أمو)، والأغاني ١٠/ ٣٩١، والبيت الثاني لتأبط شرّا في ملحق ديوانه ص ٢٤١، ولسان العرب (روح)، والتنبيه والإيضاح ١/ ٢٤٠، ومجمل اللغة ٢/ ٤٤١، وللسليك بن السلكة في ديوانه ص ٥٠، والشعر والشعراء ص ٣٧٣، وجمهرة الأمثال ١/ ١٣٠، وعيون الأخبار ١/ ٢٧١، ومجمع الأمثال ٢/ ١١، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٢/ ٤٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>