وقيل: إنه كان صانعا، فساومه أعرابيّ بخفّين، وماكسه حتى أخرجه. فلما ارتحل الأعرابيّ، أخذ حنين إحدى الخفين فوضعها على الطريق، ثممشى وألقى الأخرى في موضع آخر على الطريق، وكمن له، فلما مرّ الأعرابيّ بالخفّ قال: ما أشبه هذه بخفّ حنين؛ ولو كان معها الأخرى لأخذتها. فلمّا انتهى إلى الأخرى، ندم على ترك الأولى، فأناخ راحلته، وأخذها ورجع إلى الأولى؛ فلما غاب عمد حنين إلى راحلته بما عليها فركبها، ومضى بها، ورجع الأعرابيّ إلى قومه بخفّين، فكان إذا سئل عن حاله قال:
رجعت بخفّي حنين فصار مثلا.
وقيل: كان حنين لصّا حقيرا فأخذ وصلب، فجاءته أمّه وعليه خفّان فانتزعتهما ورجعت، فقيل: رجعت بخفّين حنين، أي رضيت منه بذلك.
***
فتبصّر ولا تشم كلّ برق ... ربّ برق فيه صواعق حين
واغضض الطّرف تسترح من غرام ... تكتسي فيه ثوب ذلّ وشين
فبلاء الفتى اتّباع هوى النّف ... س وبذر الهوى طموح عين
قال الراوي: فمزّقت رقعته شذر مذر، ولم أبل أعذل أم عذر.
***
قوله «تبصر»: أي أحسن النظر. حين: هلاك. والصاعقة: نار ترسل مع الرعد والبرق، وجمعها صواعق، وصعق الرجل إذا أصابته، وصعق إذا مات، وقيس تقول:
صاعقة، وبنو تميم صاقعة؛ وقد صقع. غرام: عذاب الحب. شين: عيب. والبذر: زرع الحبّ في الأرض.
طموح: ارتفاع يريد أن أصل العشق مداومة النظر، ألمّ فيه بقول عيسى عليه السلام: «لا يزني فرجك ما غضضت بصرك»؛ وقد تقدّم: من كثرت لحظاته دامت حسراته.
وقال سابق البربريّ في اتباع الهوى: [الطويل]
وهجر الهوى للمرء فاعلم سعادة ... وطول الهوى رين على القلب رائن
فكن دافنا للشّرّ بالخير تسترح ... من الشرّ إنّ الخير للشرّ دافن
وقال آخر: [الطويل]
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى كلّ ما فيه عليك مقال
وقال المتنبي: [الطويل]