لم أحظ منه بطائل غير الأسى ... وتندّم منّي على أوزاره
والآن قد خط المشيب بمفرقي ... بمواعظ والحقّ في تذكاره
والنفس تركب غيّها لا ترعوي ... عنه ولا تصغي إلى إنذاره
لهفي على عمر يمرّ مضيّعا ... محصى عليّ بليله ونهاره
كان شابّ في بني إسرائيل عبد الله عشرين سنة، وعصاه عشرين سنة، قنطر يوما في المرآة، فرأى الشيب في لحيته، فساءه ذلك فقال: إلهي أطعتك عشرين سنة، وعصيتك عشرين سنة، فإن رجعت إليك أتقبلني؟ فسمع صوتا من زاوية البيت: أحببتنا فأحببناك، وتركتنا فتركناك، وعصيتنا فأمهلناك؛ فإن رجعت إلينا قبلناك.
قال ابن وضاح: إذا بلغ الرجل أربعين سنة ولم يتب، مسح إبليس على وجهه، وقال: بأبي وجه لا يفلح أبدا! وأنشدوا: [الكامل]
وإذا مضى للمرء من أعوامه ... خمسون وهو إلى التّقي لم يجنح
ركدت عليه المخزيات وقلن قد ... أرضيتنا فأقم لذا لا تبرح
وإذا رأى إبليس غرّة وجهه ... حيّا وقال: فديت من لم يفلح
وقال آخر: [الوافر]
تلاحظني المنيّة من قريب ... وتلحظني ملاحظة الرقيب
وتنشر لي كتابا فيه طيّ ... بخطّ الدهر أسطره مشيبي
كتاب في معانيه غموض ... تلوح لكلّ أوّاب منيب
أزال الله يا صاحي شبابي ... فعوّضت البغيض من الحبيب
وبدّلت التكاسل من نشاطي ... ومن حسن النضارة بالشّحوب
كذاك الشمس يعلوها اصفرار ... إذا جنحت ومالت للغروب
وهذا القدر كاف هنا في ذكر الشيب.
***
وقوله: «ريب»، شك. أما أسمعك الصوت، الصوت هنا: النّياحة على الميت.
والفوت: بعد الشيء. الاحتياط، من الحوطة، وهي الوقاية. تسدر: تتبختر. تختال:
تتكبّر. الزهو: الكبر. عمّ: شمل.
ولأبي العتاهية في معناه: [السريع]
حتى متى ذو التّيه في تيهه ... أصلحه الله وعافاه!
يتيه أهل التّيه من جهلهم ... وهم يموتون وإن تاهوا
من طلب العزّ ليبقى به ... فإن عزّ المرء تقواه