للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبعون شبرا، ويستدير بالصحن بلاط من ثلاث جهاته، سعته عشر خطا، وعدد قوائمه سبع وأربعون، منها أربع عشرة رجلا، والباقي سوار، وسقف الجامع كله من خارج ألواح رصاص. وأعظم ما فيه قبة الرصاص المتّصلة بالمحراب، وهي سامية في الهواء، عظيمة الاستدارة، وقد استقلّ بها هيكل عظيم، هو عماد لها يتّصل من المحراب إلى الصحن والقبّة، قد أغصّت بالهواء، فإذا استقبلتها رأيت مرأى هائلا، ومن أيّ جهة استقبلت البلد ترى القبة في الهواء، كأنها معلقة في الجوّ، وعدد شمسياتها الزجاجية المذهبة الملونة أربع وسبعون، فإذا قابلتها الشمس واتصل شعاعها بها انعكس الشعاع إلى كلّ لون منها، واتصل ذلك بالجدار القبليّ، ويتصل بالأبصار منها أشعة ملوّنة هائلة لا تبلغ العبارة تصوّرها، ومحرابه من أعجب المحاريب الإسلامية حسنا وغرابة صنعة يتقد ذهبا كلّه، وقد قامت في وسطه محاريب صغار متصلة بجداره، تحفّها سويريات مفتولات فتل الأسورة، فإنها مخروطة، بعضها أحمر، كأنها مرجان لم ير شيء أجمل منها.

وفيها ثلاث مقاصير: مقصورة معاوية، وهي أول مقصورة وضعت في الإسلام، طولها أربعة وأربعون شبرا، وعرضها نصف الطّول. ويليها بجهة الغرب المقصورة التي أحدثت عند زيادة الكنيسة فيه، وهي أكبر. والثالثة بالجانب الغربيّ، يجتمع الحنفيّة فيها للتدريس.

وله أربعة أبواب: باب قبليّ يعرف بباب الزيادة، وباب شمالي يعرف بباب الناطفيين، وباب غربي يعرف بباب البريد، وباب شرقيّ يعرف بباب جيرون، وهو أعظمها.

وله وللغربي دهاليز متسعة يفضي كل دهليز منها إلى باب عظيم كانت كلها مداخل للكنيسة، فبقيت على حالها.

ثم ذكر في الصحن عجائب من الأبنية والقباب والصوامع الثلاث والمياه المدبرة فيه ما يطول وصفه واختصاره. قال: وهذا الصّحن من أجمل المناظر وأحسنها، وفيه مجتمع أهل البلد ومتفرّجهم ومنتزههم، كل عشيّة تراهم فيه ذاهبين وراجعين من باب جيرون إلى باب البريد، لا يزالون على هذه الحالة إلى انقضاء صلاة العشاء الأخيرة، منهم من يتحدّث مع صاحبه، ومنهم من يقرأ، فهذا دأبهم أبدا بالعشي والغداة، وأكثر الاحتفال بالعشي، [فيخيّل لمبصر ذلك أنّها ليلة سبع وعشرين من رمضان المعظم لما يرى من احتفال الناس واجتماعهم، لا يزالون على ذلك كل يوم]، وأهل البطالة يسمونهم الحراثين.

وللجامع أربع سقايات في كل جهة سقاية. وأعظمها سقاية باب جيرون.

وذكر أنّ حول باب جيرون من الأبنية الغريبة ما يطول وصفه، وذكر باب جيرون فقال: يخرج من دهليزه إلى بلاط طويل عريض له خمسة أبواب مقوّسة، لها ستة أعمدة

<<  <  ج: ص:  >  >>