للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجالس ترقص القضاة بها ... إذا انتشوا في مخانق البرم

وإذا أصبحوا عادوا لعادتهم في الترهّب والتوقّر والتحفّظ وأبهّة القضاة وحشمة المشايخ الكبراء.

وقال في ابن معروف: كان كما قرأته في فصل للصاحب: شجرة فضل عودها أدب، وأغصانها علم، وثمرها عقل، وعروقها شرف؛ تسقيها سماء الحرّية، وتغذوها أرض المروّة، وفيه يقول الصابي: [البسيط]

أقسمت بالله ما يرجى لمعروف ... في الحادثات سوى القاضي ابن معروف

ومن شعر ابن معروف: [الكامل]

لو كنت تدري ما الذي صنع الهوى ... والشّوق في الجسم النّحيل البالي

لهجرت هجري واجتنبت تجنّبي ... ووصلت من بعد النّعيم وصالي

وقال القاضي التنوخي في غلام جسيم: [الوافر]

له في كل عضو دعص رمل ... ثقيل الجسم ذو روح خفيف

أأعشق لا عشقت أخا نحول ... كأني لست ذا الخلق الظّريف

إذا لمسته كفّي لم تلامس ... سوى جلد على عظم ضعيف

شرب المأمون وعبد الله بن طاهر، ويحيى بن أكثم القاضي، فتعامل المأمون وابن طاهر على سكر يحيى فغمزا به الساقي، فأسكره، وكان بين أيديهم رزم من ورد وريحان، فأمر المأمون، فشق له قبر في الرّزم وصيّر فيه. وعمل بيتي شعر، ودعا قينة فجلست عند رأسه، وغنّت بهما وهما:

ناديته وهو حيّ لا حراك به ... مكفن في ثياب من رياحين

فقلت: قم، قال: رجلي لا تطاوعني ... فقلت: خذ، قال: كفي لا تواتيني

فانتبه يحيى لرنة العود فقال: [البسيط]

يا سيّدي وأمير الناس كلّهم ... قد جار في حكمه من كان يسقيني

إني غفلت عن السّاقي فصيّرني ... كما تراني سليب العقل والدين

لا أستطيع نهوضا قد وهى قدمي ... ولا أجيب لداع حين يدعوني

فانظر لنفسك في قاض يكون لكم ... إني غدوت دفينا في الرّياحين

***

والحالة التي وصف بها أبو زيد خلعت الأمين عن الملك، ونقلته إلى المأمون.

قال الربيع: قعد الأمين يوما للنّاس وعليه طيلسان أزرق، وتحته لبد أبيض، فوقّع على

<<  <  ج: ص:  >  >>