وإذا أديم الوجه أخلقه البلى ... لم ينتفع فيه بحسن خضاب
ماذا الّذي يبدي عليك خضابه ... وخلاف ما يرضيك في الأثواب!
وقال ابن عبد ربّه: [الوافر]
إذا فصل الخضاب بكى عليه ... ويفرح كلّما وصل الخضابا
كأن حمامة بيضاء ظلّت ... تقاتل في مفارقه غرابا
وقال ابن الرومي: [الكامل]
يا أيّها الرجل المسوّد شعره ... كيما يعدّ به من الشّبان
أقصر فلو سوّدت كل حمامة ... بيضاء ما عدّت من الغريان
وأملح منه قول الآخر: [الكامل]
قالت خضبت الشّيب ثم أتيتنا ... تبغي لدينا بالخضاب ودادا
فأجبتها لم أختضب لك إنما ... شيبي صبغت على الشّباب حدادا
وما أحسن ما قال ابن هانئ الأندلسي: [الكامل]
بنتم فلولا أن أغيّر لمتي ... عبثا وألقاكم عليّ غضابا
لخضبت شيبا في مفارق لمتي ... ومحوت محو النّفس منه كتابا
وخضبت مبيضّ الحداد عليكم ... لو أنّني أجد البياض خضابا
وإذا أردت على المشيب وفادة ... فاجعل مطيّك دونه الأحقابا
فلتأخذنّ من الزّمان حمامة ... ولتدفعنّ إلى الزّمان غرابا
***
قال الرّاوي: فعرفت حينئذ أنّه أبو زيد ذو الرّيب والغيب، ومسوّد وجه الشّيب، وساءني عظم تمرّده، وقبح تورّده، فقلت له بلسان الأنفة، وإدلال المعرفة: ألم يأن لك يا شيخنا أن تقلع عن الخنا! فتضجّر وزمجر، وتنكّر وفكّر، ثمّ قال: إنّها ليلة مراح لا تلاح، ونهزة شرب راح لا كفاح. فعدّ عمّا بدا، إلى أن نتلاقى غدا، ففارقته فرقا من عربدته، لا تعلّقا بعدته، وبتّ ليلتي لابسا حداد النّدم، على نقلي خطا القدم، إلى ابنة الكرم لا الكرم، وعاهدت الله سبحانه وتعالى ألّا أحضر بعدها حانة نبّاذ، ولو أعطيت ملك بغداد، وألّا أشهد معصرة الشّراب، ولو ردّ عليّ عصر الشّباب.
ثمّ إنّا رحّلنا العيس، وقت التّغليس، وخلّينا بين الشّيخين وإبليس.
***
قوله: «تمرده»، تشيطنه، وتمرّد إذا كثر شرّه، والمريد: الخبيث الذي لا يطاق