المال وهو قليل في أهل العلم وهم قليل، ولو نظرتم إلى من تحارف من أهل الجهل لوجدتموهم أكثر؛ وقال الحمدوني: [البسيط]
ما ازددت من أدبي حرفا أسرّ به ... إلّا تزيّدت حرفا تحته شوم
كذا المقدّم في حذق بصنعته ... أنى توجّه فيها فهو محروم
وقال أبو إسحاق الصّابي: [الطويل]
إذا جمعت بين امرأين صناعة ... فأحببت أن تدري الذي هو أحذق
فلا تتفقد منهما غير ما جرت ... به لهما الأرزاق حين تفرّق
فحيث يكون النّقص فالرزق واسع ... وحيث يكون الفضل فالرزق ضيّق
أخذه عبد الملك بن وهبون، فقال: [الطويل]
يعزّ على العلياء أنّي خامل ... وإن أبصرت مني خمود شهاب
وحيث ترى زند النجابة واريا ... فثمّ ترى زند السّعادة كابي
وقال أبو إسحاق الصّابي: [البسيط]
قد كنت أعجب من مالي وكثرته ... وكيف تغفل عنه حرفة الأدب
حتى انثنت وهي كالغضبى تلاحظني ... شزرا فلم تبق لي شيئا من النّشب
واستيقنت أنها كانت على غلط ... فاستدركته وأفضت بي إلى الحرب
الضبّ والنون قد يرجى اجتماعهما ... وليس يرجى اجتماع المال والأدب
وقال عليّ بن بسام يرثي عبد الله بن المعتز، على ما كان بينهما من العداوة:
[البسيط]
لله درّك من ميت بمضيعة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه «لوّ» ولا «ليت» فتنقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب
وكان ابن المعتز قام على المقتدر، فلما ظفر به أمر فرمي في صهريج فيه ماء في شدّة البرد فمات. ومن عجائب الدنيا أنّ أباه المعتزّ لما خلع عن الملك أدخل حمّاما، وأغلق عليه فمات من حرّه.
وكما نفوا أنّ يجتمع المال والفهم في الغالب، كذلك نفوا أن تجتمع النجابة في الولد والوالد في الغالب، قال الشاعر. [المتقارب]
إذا أطلع الدهر حرّا لبيبا ... فكن في ابنه سيّئ الاعتقاد
فلست ترى من نجيب نجيبا ... وهل تلد النّار غير الرّماد!
ولما أوجع الفقر والحرمان القاضي عبد الوهاب لأجل أدبه على ما شرطوا في