للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن جني: ثم إني عثرت على الموضع الذي أخذ منه، فوجدته لابن المعتز مصراعا بلفظ [ليّن] صغير [جدّا] جرى فيه معنى بيت المتنبي كله على جزالة لفظه وحسن تقسيمه وهو: [البسيط]

* فالشّمس نمّامة والليل قواد*

قال: الثعالبي إما أن يكون ألمّ به فحسّنه وزينه، فصار أولى به، أو عثر على الموضع الذي عثر عليه ابن المعتز فأربى عليه في جودة أخذه، وأن يكون قد افترع المعنى وابتدعه، فلله درّه! وناهيك بشرف لفظه وبراعة نسجه!

قال: ولبعض أهل العصر بيت يجمع خمس مطابقات ولا يستقل إلا بإنشاد بيتين قبله وهو: [الطويل]

عذيري من الأيام مدّت صروفها ... إلى وجه من أهوى يد المسخ والمحو

وأبدت برأسي طالعات أرى بها ... سهام أبي يحيى مسدّدة نحوي

فذاك سواد الخط ينهى عن الهوى ... وهذا بياض الوخط يأمر بالصّحو

وقال ابن رشيق: [الخفيف]

أيّها الليل طر بغير جناح ... ليس للعين راحة في الصّباح

كيف لا أبغض الصّباح وفيه ... بان عني أولو الوجوه الصّباح

وقال المتنبي: [الطويل]

وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبّر أن المانويّة تكذب (١)

وقاك أذى الأعداء تسري إليهم ... وزارك فيه ذو الدّلال المحجّب

المانويّة هم الثّنويّة، وهم الذين يقولون: إن الخير كله من النور، والشّر كله من الظلام، فكذّبهم بأن وجد الخبر في الظلام حيث ستره من أعدائه، ووقاه شرّهم، وكان عونا على زيارة حبّه، ووجد الضدّ في النور، وهذا كله يجري في نمط بيت الحريري.

***

قال: فلما سمع ربّ البيت قريضه وسجعه، واستملح تقريظه وسبعه، بوّأه مهاد كرامته، وصدّره على تكرمته. ثمّ استحضر عشر صحاف من الغرب، فيها حلواء القند والضّرب؛ وقال له:

لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة، ولا يسع أن يجعل البريء كذي


(١) البيتان في ديوان المتنبي ١/ ١٧٨، ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>