قال: ونزلنا قريب الظهر على نهر منسرب من الفرات، ورحلنا من ذلك الموقع، وبتنا ليلة الأحد سلخ محرّم بقرية من الحلّة، ثم جئناها يوم الأحد وهي مدينة عتيقة الموضع، مستطيلة متّصلة بالفرات من جانبها الشرقي، وهي على شاطئه، ويمتد بطولها.
ولها أسواق حفيلة جامعة للمرافق، قوية العمارة وديارها بين حدائق النخيل، وألفينا بها جسرا معقودا على مراكب كبار متصلة من الشطّ إلى الشطّ، أمر الأمير بعقدها اهتماما بالحاجّ، فعبرناها، ونزلنا على الفرات على فرسخ من البلد، والطريق من الحلّة إلى بغداد أحسن طريق وأجملها في بسائط وعمائر تتصل بها القرى يمينا وشمالا، ويشق هذه البسائط أغصان من [ماء] الفرات تسقيها، فللعين في هذه الطريق مسرح انشراح، وللنفس مزاد انبساط وانفساح.
ومن مدينة الحلّة يتسلسل الحاجّ أرسالا وأفواجا، لا يعرج المتأخر على المتقدم، فحيثما شاءوا نزلوا، ومن جملة الدواعي لافتراقهم كثرة القناطرالمعترضة في طريقهم إلى بغداد لا تكاد تمشي ميلا إلا ونجد قنطرة على نهر متفرّع عن الفرات، فلو زاحم ذلك البشر تلك القناطر دفعة، لتراكموا وقوعا بعضا على بعض.
فرحلنا من الحلّة ضحوة يوم الاثنين أوّل يوم من صفر، ونزلنا بعصره بقرية تعرف بالقنطرة، كثيرة الخصب، كبيرة المساحة، متدفقة فيها جداول الماء، وارفة الظلال بشجرات الفواكه، من أحسن القرى وأجملها، بها قنطرة محدودة تصعد إليها وتنحدر عنها على فرع من فروع الفرات، فعرفت القرية بها.
ثم رحلنا عنها بسحر الثلاثاء، ونزلنا ضحوة بالفراش؛ قرية كثيرة العمارة يشقها الماء وحولها بسيط أخضر جميل المنظر، والقرى من الحلّة إلى بغداد على صفة الفراش في الحسن والاتساع.
ثم رحلنا منها ونزلنا عشيّ النهار بزريران، وهي قرية من أجمل قرى الأرض وأحسنها منظرا، وأفسحها ساحة وأوسعها اختطاطا، وأكثرها بساتين ورياحين وحدائق من نخيل، ولها سوق تقصر عنه أسواق المدن. وحسبك من شرفها أن دجلة تسقي شرقيّها والفرات يسقي غربيّها، وهي كالعروس بينهما.
ومن شرفها أن بإزائها إيوان كسرى، وهو بناء عال في الهواء على مقدار الميل منها وأمامها بيسير مدائنه. واجتزنا سحرا على المدائن، فعاينّا من طولها واتباعها مرأى عجيبا.
ونزلنا قافلين بصرصر، وهي أخت زريران حسنا، يمرّ بجانبها القبلي نهر متفرع من الفرات وهي من القرى التي تملأ النفوس حسنا وجمالا، لها أسواق حفيلة، وجامع وجسر معقود على مراكب من الشطّ إلى الشطّ وهي من بغداد على ثلاثة فراسخ، ورحلنا منها قبل الظهر؛ وجئنا بغداد قبل العصر، على بساتين وبسائط يقصر الوصف عنها، فمن