للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النمل: ٢٠]، قال: فما كنيتك؟ فقال: أبو الكوكب الدرّيّ، قال: كمل الرجل.

وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ من لحيته من طولها وعرضها بالسواء (١).

وكان عبد الله بن عمر يقبض على لحيته، ويأخذ ما زاد منها على قبضته.

الحسن بن المثنى: إذا رأيت رجلا له لحية طويلة، ولم يتخذ لحية بين لحيتين، كان في عقله شيء.

وكان المأمون جالسا مع ندمائه ببغداد، مشرفا على دجلة وهم يتذاكرون أخبار الناس، فقال المأمون: ما طالت لحية إنسان قط إلا ونقص من عقله بمقدار ما طال من لحيته، وما رأيت عاقلا قطّ طويل اللحية. فقال له بعض جلسائه، ولا يردّ على أمير المؤمنين: قد يكون في طول اللحى أيضا عقل؛ فبينما هم يتذاكرون في هذا، إذ أقبل رجل كبير اللحية، حسن الهيئة، فاخر الثياب، فقال المأمون: ما تقولون في هذا الرجل؟

فقال بعضهم: رجل عاقل، وقال آخر: يجب أن يكون هذا قاضيا، فقال المأمون لبعض الخدم: عليّ بالرجل، فلم يلبث أن أصعد إليه ووقف بين يديه، فسلّم فأجاد السّلام، فأجلسه المأمون، واستنطقه فأحسن النطق، فقال المأمون: ما اسمك؟ فقال: علّوية، قال: فما الكنية؟ قال: أبو حمدويه، فضحك المأمون، وغمز جلساءه ثم قال: ما صنعتك؟ قال: فقيه أجيد الشرع في المسائل، فقال له: نسألك مسألة! فقال الرجل: سل عما بدا لك، فقال لهالمأمون: ما تقول في رجل اشترى شاة من رجل، فلما تسلّمها المشتري، وقضى الثمن، ضرطت، فخرج من استها بعرة ففقأت عين رجل؛ على من تجب دية العين؟ قال: فنكت بإصبعه في الأرض طويلا، ثمّ قال: تجب على البائع دون المشتري، فقال المأمون: وما العلّة التي أوجبت الدية عليه دون المشتري؟ قال: إنه لمّا باعها لم يشترط أنّ في استها منجنيقا، قال: فضحك المأمون حتى استلقى على قفاه، وضحك كلّ من حضره من الندماء. وأنشد المأمون يقول: [السريع]

ما أحد طالت له لحية ... فزادت اللّحية في حليته

إلا وما ينقص من عقله ... أكثر مما زاد في لحيته

وقال آخر: [المتقارب]

إذا عظمت للفتى لحية ... فطالت فصارت إلى سرّته

فنقصان عقل الفتى عندنا ... بمقدار ما زاد في لحيته

وأنشد أبو عليّ: [مجزوء الكامل]


(١) أخرجه الترمذي في الأدب باب ١٧، بلفظ: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذه من لحيته من عرضها وطولها».

<<  <  ج: ص:  >  >>