للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخرد ينظر فيما آلت حاله إليه، وينتظر نصرة المبغيّ عليه. وجلنا نحن في شجون، من جدّ ومجون؛ إلى أن اعترض ذكر الكتابتين وفضلهما، وتبيان أفضلهما، فقال قائل: إن كتبة الإنشاء أنبل الكتّاب؛ ومال مائل إلى تفضيل الحسّاب. واحتدّ الحجاج، وامتدّ اللّجاج؛ حتّى إذا لم يبق للجدال مطرح، ولا للمراء مسرح؛ قال الشيخ: لقد أكثرتم يا قوم اللّغط، وأثرتم الصّواب والغلط، وإنّ جليّة الحكم عندي، فارتضوا بنقدي، ولا تستفتوا أحدا بعدي.

***

قوله: أخرد: أي سكت ذلّا، ويروى: خرد، أي سكت حياء واستتر، تقول:

أخردت وخردت من حرّ الشمس. أي استترت، وأقرد من لفظ القرد أو القراد، وأخرد من لفظ الخريدة. آلت: رجعت. المبغيّ عليه أي المظلوم، وأراد أن ينظر النّصرة على أعدائه، من قوله تعالى: ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج: ٦٠] جلنا: تصرّفنا.

شجون: ضروب من الكلام، ومنه: الحديث شجون، أي فنون، ومشتبك بعضه ببعض.

وفي الحديث: «الرحم شجنة من الله»، معناه القرابة مشتبك بعضها ببعض، كاشتباك العروق. اعترض: تصلّب وظهر. الإنشاء: الكتابة. وكتبة الإنشاء هم كتبة بين يدي السلطان وهم المترسّلون. أنبل: أعظم قدرا. والحسّاب. كتبة الزمام.

احتدّ: اشتدّ. والحجاج: المحاجّة واللجاج: ركوب الرجل على الباطل، مطرح:

موضع يطرح فيه. المراد قد تقدّم. آثرتم: فضلتم. جليّة: بيان. نقدي: تمييزي.

***

اعلموا أنّ صناعة الإنشاء أرفع، وصناعة الحساب أنفع، وقلم المكاتبة خاطب، وقلم المحاسبة حاطب، وأساطير البلاغة تنسخ لتدرس، ودساتير الحسبانات تنسخ وتدرس. والمنشئ جهينة الأخبار، وحقيبة الأسرار، ونجيّ العظماء، وكبير الندماء، وقلمه لسان الدّولة، وفارس الجولة، ولقمان الحكمة، وترجمان الهمّة. وهو البشير والنّذير، والشّفيع والسّفير. به تستخلص الصّياصي، وتملك النّواصي، ويقتاد العاصي، ويستدنى القاصي، وصاحبه بريء من التّبعات، آمن كيد السّعاة، مقرّظ بين الجماعات، غير معرّض لنظم الجماعات.

***

قوله: خاطب، أي جامع للكلام. حاطب: جامع للحطب، يريد أنّ المنشئ كالخطيب يختار من الكلام النفيس فيسرقه، ولا يبالي كاتب الحساب بما كتب، ويكون

<<  <  ج: ص:  >  >>