فحبست رسلك عن تعهد علّتي ... وقطعت من سبب الوصال مطامعي
وعلمت منك تماديا في جفوتي ... فرجعت في عفوي كأحسن راجع
فأجابه الآخر: [الكامل]
لا والّذي قسم الجمال بفضله ... فحباك منه بالضّياء اللامع
ما إن علمت بعلّة لك سيدي ... إلا بخطّك في القريض البارع
وإذا أتتك رسالتي فقرأتها ... فأقبل فديتك من مقرّ خاضع
وكان الحسن بن وهب يتعشّق غلاما لأبي تمام روميّا، وكان أبو تمام يتعشق غلاما للحسن خزريّا، فرآه أبو تمام يعبث بغلامه، فقال: والله لئن أعنقت في الرّوم لأركضنّ إلى الخزر، وما أشبّهك إلّا بداود وأشبّه نفسي بخصمه، فقال الحسن: لو كان هذا منظوما خفناه، والمنثور عارض لا حقيقة له، فقال أبو تمام: [البسيط]
أبا عليّ لصرف الدهر والغير ... وللحوادث والأيام والعبر
أذكرتني أمر داود وكنت فتى ... مصرّف القلب في الأهواء والذّكر
أعندك الشمس لم يحظ المغيب بها ... وأنت مضطرب الأحشاء بالقمر
إن أنت لم تترك السير الحثيث إلى ... جآذر الروم أعنقنا إلى الخزر
وكان الحسن يكتب لابن الزيات، فلما وقف على ما بينهما من أمر الغلامين، تقدّم إلى بعض ولده، وكانوا يجلسون عند ابن وهب أن يعلموه ما يدور بينهما، فعزم غلام أبي تمام على الحجامة، فكتب إلى الحسن يعلمه بذلك، ويسأله توجيه نبيذ مطبوخ فوجّه إليه مائة دنّ ومائة دينار وخلعة وبخورا وكتب إليه: [الخفيف]
ليت شعري يا أملح النّاس عندي ... هل تداويت بالحجامة بعدي!
دفع الله عنك لي كلّ سوء ... باكر رائح وإن خنت عهدي
قد كتمت الهوى بمبلغ جهدي ... فبدا منه غير ما كنت أبدي
وخلعت العذار فليعلم النا ... س بأنّي إليك أصفي بودّي
وليقولوا بما أحبوا إذا كن ... ت وصولا ولم ترعني بصدّ
من عذيري من مقلتيك ومن إش ... راق وجه من تحت حمرة حدّ
ووضع الرقعة تحت مصلّاه، وأعلم ابن الزيات خبرها، فأرسل في الحين، وشغله بشيء، ووجّه من جاءه بها. فلما قرأها كتب فيها على لسان أبي تمام: [الخفيف]
ليت شعري عن ليت شعرك هذا ... أبهزل تقوله أم بجدّ
فلئن كنت في المقال محقّا ... يا بن وهب لقد تطرّفت بعدي
وتشبّهت بي وكنت أرى أنّ ... ي أنا العاشق المتيم وحدي