وسكتّ من عجب لذاك فزادني ... فيما كرهت بظنّه المرتاب
وقضى عليّ بظاهر من كسوة ... لم يدر ما اشتملت عليه ثيابي
من عفّة وتكرّم وتجمل ... وتجلد لمصيبة وعقاب
لكنه رجعت عليه ندامة ... لما يسبّ وحاف مضّ عتابي
فأقلته لمّا أقرّ بذنبه ... ليس الكريم على الكريم بناب
وكان ابن حازم ساقط الهمة، يرضيه اليسير على انطباعه في شعره.
وقال حماد بن يحيى: قال لي ابن حازم يوما: ما بقي عليّ شيء من اللذات إلّا بيع السنانير: فقلت له: ويحك! وأيّ في ذلك من اللذة؟ قال: يعجبني أن تجيء العجوز الرّعناء تخاصمني، وتقول: هذا سنّوري سرق، فأخاصمها، فتشتمني، فأشتمها وأغيظها ثم أنشد:[المجتث]
صل خمرة بخمّار ... وصل خمارا بخمر
وخذ نصيبك من ذا ... وذا إلى حيث تدري
فقلت: إلى أين ويحك! فقال: إلى النار يا أحمق.
***
ثمّ ما عتّم أن استوقف الملّاح، وصعد من السّفينة وساح، فندم كلّ منّا على ما فرّط في ذاته، وأغضى جفنه على قذاته، وتعاهدنا على ألّا نحتقر شخصا لرثاثة برده، وألّا نزدري سيفا مخبوءا في غمده.
***
قوله «ما عتّم»، أي ما أبطأ ولا تأخّر، ويقال: عتّم القرى، إذا تأخر، وأعتم حاجته: أخّرها، ومنه صلاة العتمة لتأخّر وقتها. استوقف الملّاح: أمر خادم السفينة بالوقوف. صعد: ارتقى وارتفع. ساح: ذهب في الأرض. في ذاته: أي في نفسه.
أغضى جفنه: سدّ عينه. قذاته: عاره وعيبه الذي تلقّى به السروجيّ عند الدخول في السفينة. والقذاة: ما يسقط في العين فيوجعها. نزدري: نحتقر. لرثاثة برده: لإخلاق ثوبه. الله تعالى الموفق.