للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاشر: أخذ اللفظ والمعنى وهو أقبح السرقات وأدناها وأوضعها.

وقد أكثر الشعراء ذم السرقة والسارق، وأول من ذمّ ذلك طرفة حين قال: [البسيط]

ولا أغير على الأشعار أسرقها ... عنها غنيت وشرّ الناس من سرقا (١)

وقال الأعشى: [المتقارب]

فكيف أنا وانتحالي القوا ... في بعد المشيب، كفى ذاك عارا (٢)

ومن سرقة اللفظ والمعنى، ما يحكى عن أبي المعافى أنه لما مدح أبا العباس محمد بن إبراهيم الإمام بقوله: [الوافر]

إليك بمدحتي يا خير أبنا ... رسول الله من تلد النّساء

ستأتيك المدائح من رجال ... وما كفّ أصابعها سواء

فأخذه آخر وغيّره بأن وضع الرجال موضع النساء، وغيّر عجز البيت الآخر فقال:

[الوافر]

* كما اختلفت إلى الغرض النّبال*

فاستعدي عليه أبا المعالي صالح بن إسماعيل، وهو على شرطة محمد بن إبراهيم بالمدينة، فقال: [البسيط]

ما سارق الشعر فيه وسم صاحبه ... إلّا كسارق بيت دونه غلق

بل سارق البيت أخفى حين يسرقه ... والبيت يستره من ظلمة غسق

من جيّد الشعر أن يخفى لسارقه ... وجيّد الشعر قد سارت به الرفق

فقال صالح: فما تحب أن أفعل به؟ فقال: تحلّفه عند منبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم ألّا ينشد هذا الشعر إلا لي.

وكان محمد بن زهير يشرب، فإذا سكر لا يفيق إلا بإنشاد الشعر، فأمر يوما جبّار ابن محمد الكاتب أن ينشده، فأنشده أبياتا لأبي نواس ادعى أنه قائلها وهي: [الخفيف]

صاح ما لي وللرسوم القفار ... ولنعت المطيّ والأكوار

شغلتني المدام والقصف عنها ... وسماع الغناء والمزمار

ومضى في الشعر، وأبو نواس قاعد، فوثب وتعلّق به قدّام محمد بن زهير، وأنشأ يقول: [الخفيف]


(١) البيت في ديوان طرفة بن العبد ص ٢١٦.
(٢) البيت في ديوان الأعشى ص ١٠٣، وتخليص الشواهد ص ١٠٣، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٠٩، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٧٣، ولسان العرب (نحل)، وهو بلا نسبةفي رصف المباني ص ١٤، ٤٠٣، وشرح المفصل ٤/ ٤٥، والمعرب ٢/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>