للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ما يجمعهما من أخوّة الأدب مثل ما ينظمهما من أخوّة النسب، وهما في الموافقة والمساعدة يجيئان بروح واحدة، ويشتركان في قول الشاعر وينفردان، ولا يكادان في السفر والحضر يفترقان، وكانا في التساوي، كما قال أبو تمام: [المتقارب]

رضيعي لبان شريكي عنان ... عتيقي رهان حليفي صفاء

بل، كما قال البحتري: [الكامل]

كالفرقدين إذا تأمّل ناظر ... لم يعل موضع فرقد عن فرقد

بل كما قال الصابي: [الطويل]

أرى الشاعرين الخالديّين نشرا ... قصائد يفني الدهر وهي تخلد

جواهر من أبكار لفظ وعونه ... يقصّر عنها راجز ومقصّد

تنازع قوم فيهما وتناقضوا ... ومرّ جدال بينهم يتردّد

فطائفة قالت سعيد مقدّم ... وطائفة قالت لهم بل محمد

وصاروا إلى حكمي فأصلحت بينهم ... وما قلت إلّا بالتي هي أرشد

هما لاجتماع الفضل زوج مؤلف ... ومعناهما من حيث ألفت مفرد

كذا فرقدا الظلماء لمّا تشاكلا ... علا أشكلا ذاك أم ذاك أمجد

فزوجهما ما مثله في اتفاقه ... وفردهما بين الكواكب أسعد

فقاموا على صلح وقال جميعهم ... رضينا وساوى فرقد الأرض فرقد

وأفاضل الشأم والعراق، بعضهم يفضل السريّ عليهما، وبعضهم يفضلهما.

فهذا كله فصل في السرقات مستظرف، احتوى على فوائد من علم الأدب، وهي عشرون وجها والعشرون وجها في السرقة جلبتها من كتاب الوكيعي على اختصار.

***

فقال: والذي جعل الشّعر ديوان العرب، وترجمان الأدب، ما أحدث سوى أن بتر شمل شرحه، وأغار على ثلثي سرحه. فقال له: أنشدنا أبياتك برمّتها؛ ليتّضح ما اختاره من جملتها؛ فأنشد: [الكامل]

يا خاطب الدّنيا الدّنيّة إنّها ... شرك الرّدى وقرارة الأكدار

دار متى ما أضحكت في يومها ... أبكت غدا بعدا لها من دار

وإذا أظلّ سحابها لم ينتفع ... منه صدى لجهامه الغرّار

غاراتها ما تنقضي وأسيرها ... لا يفتدى بجلالة الأخطار

كم مزده بغرورها حتّى بدا ... متمرّدا متجاوز المقدار

<<  <  ج: ص:  >  >>