للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضا: [الطويل]

ترى للنّدى فيه مجالا كأنّما ... نثرن عليه لؤلؤا فتبدّدا

قوله: حديقة، أي بستان. زخرفها، أي زينتها. تنوّعت أزاهيرها: اختلفت أنواع أزهارها.

وهذه الحديقة التي ذكر من حسنها، مثل البستان الذي دخله عروة بن الزبير مع عبد الملك بن مروان- وكان عروة معرضا عن الدنيا- فحين رأى في البستان الوصف الذي ذكر الحريري قال: ما أحسن هذا البستان! فقال له عبد الملك: أنت والله أحسن منه، لأنه يؤتى أكله كلّ عام وأنت تؤتي أكلك كلّ يوم، وكان عبد الملك يجب عروة ويعظّمه، على ما بين الزبيريّة والمروانية من التباغض.

وقال لابن شهاب حين وفد عليه: عند من طلبت؟ قال: عند سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب، فقال عبد الملك: فأين أنت من عروة بن الزبير! فإنه بحر لا تكدّره الدلاء. قال ابن شهاب: فلم أبارح عروة بعد حتى مات.

قال ابن وكيع في وصف ما ذكره الحريري: [الطويل]

ألست ترى وشي الربيع تنمنما ... وما صنع الرّبعيّ فيه ونظّما

وقد حكت الأرض السماء بنورها ... فلم أر في التشبيه أيّهما سما

فخضرتها كالجوّ في حسن لونه ... وأنوارها تحكي لعينيك أنجما

فمن نرجس لما رأى حسن نفسه ... تداخله عجب به فتبسّما

وأبدي على الورد الجنّي تطاولا ... وأظهر غيظ الورد في خده دما

وزهر شقيق نازع الورد فضله ... فزاد عليه الورد فضلا وقدّما

فظل لفرط الحزن يلطم خدّه ... فأظهر فيه اللّطم جمرا مضرّما

ومن سوسن لما رأى الصّبغ دونه ... على كل أنواع الرياض تقسّما

تجلبب من زرق اليواقيت حلّة ... فأغرب في الملبوس فيها وأحكما

وأنوار منثور يخالف شكلها ... فصار بها شكل الربيع منمنما

جواهر لو قد طال فيها حياتها ... رأيت بها كلّ الملوك مختما

وقالوا أبو بكر البلويّ: [البسيط]

وروضة بات ظلّ الغيث ينسجها ... حتّى إذا التحمت أضحى يدبّجها

يبكي عليها بكاء الصبّ فارقه ... إلف فيضحكها طورا ويبهجها

إذا تنفّس فيها ريح سوسنها ... وفاح مثل خزاماها بنفسجها

أقول فيها لساقينا وفي يده ... كأس كشعلة نار إذ يوهّجها

<<  <  ج: ص:  >  >>