وتشبيه العيون بالسيوف والسّهام، إنّما المراد به المضاء والقطع، ولا يلتفت في ذلك إلى اللون، وكذلك تشبيه العيون بالنّرجس الأصفر إذا قصد ما فيه من الفتور واقع متمكّن في التشبيه، ألا ترى ابن المعتزّ التفت إلى الفتور وحده حين قال: [الكامل]
وسنان قد خدع النّعاس جفونه ... فحكى بمقلته ذبول النّرجس (١)
والنّرجس الذي يشبّه به أهل المشرق العيون، هو نبات له قضبان خضر في رءوسها أقماع، يخرج منها نور ينبسط منه على الأقماع ورق أبيض، في وسط البياض دائرة قائمة من ورق صغير. هذه الصفة التي تقع في أشعارهم إذا ذكروا النّرجس، وبذلك وصفه كسرى أنوشروان، فقال: النّرجس ياقوت أصفر، بين درّ أبيض على زمرّد أخضر، أخذه بعضهم فقال فيه: [الطويل]
وياقوتة صفراء في رأس درّة ... مركبّة في قائم من زبرجد
كأنّ بهيّ الدرّ عقد نظامها ... فريد أنيق قد أطاف بعسجد
وأنشد أبو عون الكاتب في كتاب التشبيه له، فقال: من جيّد ما قيل في النرجس ما أنشده المبرّد رحمه الله تعالى: [السريع]
نرجسة لاحظني طرفها ... تشبه دينارا على درهم
وقال عبيد الله بن عبد الله فيه: [المنسرح]
ترنو بأبصارها إليك كما ... ترنو إذا خافت اليعافير
مثل اليواقيت قد نظمن على ... زمرّد فوقهنّ كافور
كأنّها والعيون ترمقها ... دراهم وسطها دنانير
وقال أبو نواس: [الطويل]
لدى نرجس غضّ القطاف كأنه ... إذا ما منحناه العيون عيون
مخالفة في شكلهنّ وصفرة ... مكان سواد والبياض جفون
أجاد التشبيه، وكشف بذكر المخالفة قناع الشبهة، وبين مواقع التشبيه غاية البيان.
وقال أبو عبد الملك بن فرج في كتاب الحاسّ والمحسوس، له: وأحسن بيت أنشدنيه أبو جعفر البغداديّ رحمه الله: [الطويل]
مداهن درّ بين أوراق فضّة ... على قيس شبر أخضر كالزّبرجد
وقال أبو الفرج الببغاء: [السريع]