وقال أبو تمام: [الطويل]
إذا العيس لاقت بي أبا دلف غدا ... تقطع ما بيني وبينه النوائب
وقال أبو نواس: [الطويل]
أخذت بحبل من حبال محمد ... أمنت به من طارق الحدثان
تغطّيت من دهري بظلّ جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام عنّي ما درت ... وأين مكاني ما عرفن مكاني
وقال أيضا: [الخفيف]
أنا في ذمّة الخصيب مقيم ... حيث لا تهتدي صروف الزمان
قد عرفنا من الخصيب خلالا ... آمنتنا طوارق الحدثان
كيف أخشى من الليالي اغتيالا ... ومكاني من الخصيب مكاني
***
وجدير بمن لبّ وفطن، وقرّب وشطن، أن أذعن لقريع زمن، وجابر زمن، مذ رضع ثدي لبانه، خصّ بإفاضة تهتانه. نعش وفرّج، وضافر فأبهج، ونافر فأزعج، وفاء بحقّ أبلج، أتعب من سيلي، وقرّظ إذ هزّ وبلي، وتوّج صفاته، بحبّ عفاته. [مجزوء الرجز]
فلا خلا ذا بهجة ... يمتدّ ظلّ خصبه
فإنه برّ بمن ... آنس ضوء شهبه
زان مزايا ظرفه ... بلبس خوف ربّه
***
قوله: جدير، أي حقيق. لبّ: كان لبيبا وعاقلا. شطن: بعد. أذعن: ذلّ وانقاد.
القريع: السيد يدفع ضرّ الزمن ويقرعه. جابر زمن، أي مغني فقير، والزمن الفقير الذي لازمه الفقر أو المريض الذي لازمه المرض، وبه زمانة، وأصل ذلك من لزمن. لبانه، أي لبن أمّه، وقال في الدرة. وقولهم: الرضيع الإنسان ارتضع بلبنه، صوابه بلبانه، لأن اللّبن هو المشروب، واللّبان، هو مصدر لابنه، أي شاركه في شرب اللبن، هذا معنى كلامهم الذي نحوا إليه ولفظوا به. التّهتان: سيلان المطر، وإفاضته: صبّه، وأراد في لبن أمه، أرتضع الجود فداوم عليه، كقول المتنبّي: [المتقارب]
سموا للمعالي وهم صبية ... وسادوا وقادوا وهم في المهود (١)
(١) البيت في ديوان المتنبي ١/ ٣٤٥.