فأجابه أبو بكر بن بقيّ فقال: [البسيط]
أرسلت نحوي ثلاثا من قنا سلب ... ميّادة تطعن القرطاس في ورقه
فالحظّ ينكرها والخطّ يعرفها ... والرقّ يخدمها بالرق في عنقه
فحسده عليها بعض من سمعها، ونسبه إلى الانتحال، فقال أبو بكر يخاطب صاحبه الأوّل: [البسيط]
وجاهل نسب الدّعوى إلى كلمي ... لمّا رماه بمثل النّبل في حدقه
فقلت من حنقي لمّا تعرّض لي: ... من ذا الّذي أخرج اليربوع من نفقه!
ما ذمّ شعري وايم الله لي قسم ... إلا امرؤ ليست الأشعار من طرقه
الشّعر يشهد أنّي في كواكبه ... بل الصّباح الذي ينشقّ في أفقه
وخرج السّلاميّ (١) إلى الموصل وهو صبيّ حين راهق البلوغ، فوجد بها أبا عثمان الخالديّ وأبا الفرج الببّغاء وأبا الحسن التّلّعفريّ وشيوخ الشعراء، فلما رأوه عجبوا منه، واتّهموه في شعره، فقال الخالديّ: أنا أكفيكم أمره. فاتخذ دعوة، وجمع الشعراء والسّلاميّ معهم، فلما توسّطوا الشراب، أخذ في التفتيش عن قدر بضاعته، ثمّ لم يلبثوا أن جاء مطر شديد وثلج وبرد عمّ الأرض كثرة، فألقى أبو عثمان الخالديّ نارنجا بين أيديهم على ذلك البرد، وقال: يا أصحابنا، هل لكم في أن نصف ذلك؟ فقال السّلاميّ ارتجالا: [مجزوء الكامل]
لله درّ الخالديّ ... الأوحد النّدب الخطير
أهدى لماء المزن عن ... د جموده نار السّعير
حتى إذا صدر العتا ... ب إليه من حنق الصّدور
بعثت إليه بعذره ... من خاطري أوفى السّرور
لا تعذلوه فإنّما ... أهدى الخدود إلى الثغور
فأمسكوا عنه عند ذلك، واعترفوا له بالفضل، إلّا التّلّعفريّ، فإنه أقام على قوله فيه، حتى قال السّلاميّ فيه: [الكامل]
يا شاعرا بشعوره لم يشعر ... ما كنت أوّل طالب لم يظفر
لو كنت تعرف والدا تسمو به ... لم تنتسب صفة إلى تلعفر
تاه ابن فائقة الفسوق على الورى ... بقذال صفعان ونكهة أبخر
وبلادة في الشّعر تعلم أنه ... تيس ولو نصرت بطبع البحتري
(١) هو محمد بن عبد الله بن محمد السلامي.