قال الحارث بن همّام: فازدهاني بوصف الخطبة المتلوّة، دون الخطبة المجلوّة؛ حتى قلت له: قد وكلت إليك هذا الخطب؛ فدبّره تدبير من طبّ لمن حبّ. فنهض مهرولا، ثمّ عاد متهلّلا، وقال: أبشر بإعتاب الدّهر، واحتلاب الدّرّ؛ فقد ولّيت العقد، وأكفلت النّقد، وكأن قد ثمّ أخذ في مواعدة أهل الخان، واعداد حلواء الخوان. فلمّا مدّ اللّيل أطنابه، وأغلق كلّ ذي باب بابه، أذّن في الجماعة:
ألا احضروا في هذه السّاعة؛ فلم يبق فيهم إلّا من لبّى صوته، وحضر بيته. فلما اصطفّوا لديه، واجتمع الشاهد والمشهود عليه، جعل يرفع الاصطرلاب ويضعه، ويلحظ التّقويم ويدعه، إلى أن نعس القوم، وغشي النّوم، فقلت له: يا هذا ضع الفاس في الرّاس وخلّص الناس من النّعاس. فنظر نظرة في النّجوم، ثمّ انتشط من عقلة الوجوم، وأقسم بالطّور، والكتاب المسطور؛ لينكشفنّ سرّ هذا الأمر المستور، ولينتشرنّ ذكره إلى يوم النّشور. ثمّ إنّه جثا على ركبته، واسترعى الأسماع لخطبته.
***
ازدهاني: دعاني إلى الزهو، وهو العجب والكبر، أي أعجبت بوصفها، المتلوّة:
طبّ: أصلح حال العليل. فيقول: دبّر هذا الأمر تدبير الطبيب أمر حبيبه إذا كان عليلا، وطبّه أي عناه، وقيل: معنى طبّ حذق بالشيء وجاد فيه ذهنه، والطّبّ: الحاذق بالأمر، فيكون معناه، دبّر أمري تدبير المميّز الحاذق أمر حبيبه.
قال ابن الأنباريّ: قولهم: من حبّ طبّ، أي من أحب حذق وفطن واحتال لمن يحب، والطّبّ في اللغة: الحذق والفطنة، ورجل طبيب وطبّ، إذا كانحاذقا، وسمّي الطّبيب لفطنته.
ومعنى حبّ أحبّ. وقال البصريون: لا يقال: حبّ يحبّ، وجاء عنهم: محبوب،