أخاه ما يريده. فدعا قباذ المنذر ليدخل في هذا المذهب، فأنف، وأبى المنذر هذا الفعل الخسيس، فطرده قباذ من مملكته، ونفاه عن الحيرة. ودعا الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار، فأجابه. وكان الحارث شديد الملك، فشدّد له ملكه، وكانت أم أنوشروان بين يدي قباذ يوما، فدخل عليهمزدك، فلما رآها قال لقباذ: ادفعها إليّ لأقضي حاجتي منها. قال له قباذ. دونكها، فوثب إليه أنوشروان، فلم يزل يسأله أن يهب له أمّه حتى قبّل رجليه، فتركها له. فلما هلك قباذ: وتولّى أنوشروان، وجلس في مجلسه أقبل المنذر إليه، وأذن للناس، فدخل عليه مزدك، ودخل عليه المنذر، فقال أنوشروان: كنت أتمنّى أمنيّتين، أرجو أن يكون الله تعالى قد جمعهما لي، فقال مزدك: وما هما أيها الملك؟
قال: تمنّيت أن أملك فاستعمل هذا الرجل الشريف- يعني المنذر- وأن أقتل هؤلاء الزنادقة، فقال له مزدك: أو تستطيع أن تقتل الناس كلّهم؟ فقال: إنك لها هنا يا بن الزانية! والله ما ذهب نتن ريح جوربك من أنفي، مذ قبّلت رجليك إلى يومي هذا، وأمر به، فقتل وصلب. وقتل في ضحوة واحدة من الزنادقة مائة ألف، وصلبهم، وطلب الحارث، فخرج هاربا بجميع ما معه، وأخذ المنذر في طلبهم، فأخذ من بني آكل المرار ثمانية وأربعين رجلا، فضرب رقابهم وألحّ في طلب امرئ القيس، فلحق بالسموأل.
وتمام القصة في الثالثة والعشرين.
***
قوله: الأحماء، أي الأختان. ساسان: شيخ المكدين، قال الفنجديهيّ: ساسان هو أستاذ المكدين ومقدّمهم، وواضع طرائقهم ومعلّمهم. قال أبو الفتح إسماعيل بن الفضل ابن الإخشيد السراج المكدي في كتابه: حدثنا أبو بكر البطايرني المكدي، حدّثنا محمد ابن علي بن أحمد الفقيه المكدي، حدثنا مليك بن صالح المكدي، قال: سمعت طرارة المكدي، قال: قال ساسان: ألا أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ قلت: بلى، قال: هي الكدية.
وقوله: أستاذ الأستاذين، حدّث أحمد بن الحسن، قال: كنت عند أبي الحسن بن أبي الفضل، فدخل رجل فذكر أنه شاعر، فقال: الشعراء ثلاثة: شاعر وشعرور وشعرة، فأما الشاعر فالمفلق، والشّعرور المستملح، والشعرة المستثقل لرداءة شعره. والأستاذون ثلاثة: أستاذ في الدين كالعلماء والفضلاء، وأستاذ في الدنيا كالوزراء والعمال والولاة، وأستاذ لا دين عنده يتعلّم منه ولا دنيا ينتفع بها، كالحجام، يسمى أستاذا والبنّاء والملاح، وبنو ساسان: ملوك الفرس.
قدوة: مقدّم. الشحاذين: المكدين والشّحّاذ: الملحّ في المسألة، وشحذت السيف بالغت في صقالته. المبجّل: المعظّم، يقال: بجّلته تبجيلا، أي عظمته تعظيما، مأخوذ من البجيل والبجال، وهو الرجل الضخم، وفي الحديث:«أصبتم خيرا تجبيلا»، أي كثيرا