للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم كتب رقعة ودفعها إلى المهديّ، فأوصلها إلى أبيه وفيها: [الطويل]

ألم تعلما أنّ الخليفة لزّني ... لمسجده والقصر ما لي وللقصر

أصلّي به الأولى جميعا وعصرها ... فويلي من الأولى، وويلي من العصر!

أصليهما بالكره في غير مسجدي ... فما لي في الأولى وفي العصر من أجر

يكلّفني من بعد ما شبت توبة ... يحطّ بها عنّي الثّقيل من الوزر

وو الله ما لي نيّة في صلاتها ... ولا البرّ والإحسان والخير من أمري

لقد كان في قومي مساجد جمّة ... ولم ينشرح يوما لغشيانها صدري

وما ضرّه- والله يغفر ذنبه ... لو أن ذنوب العالمين على ظهري!

فقال: صدق دعوه يضلّ من يشاء، وما يضرّني ذلك! والله لا يفلح هذا أبدا، فدعوه يفعل ما يشاء.

وكان الجمّاز منقطعا إلى أبي جزء الباهليّ، فتناسك أبو جزء، فقال للجمّاز: لا أحبّ أن تخالطني إلا أن تتنسّك فأظهر النّسك، ثم كتب إليه:

قد جفاني الأمير كي أتقرّى ... فتقرّيت مكرها لجفائه

والّذي أنطوى عليه المعاصي ... علم الله نيّتي من سمائه

ما قراة لمكره بقراة ... قد رواه الأمير عن فقهائه

ومن مجون أبي نواس أن الأمير لما نهاه عن الخمر وحبسه، فكلّمه فيه الفضل بن الربيع، وأخرجه كتب إليه: [الخفيف]

أنت يا ابن الربيع علّمتني الخي ... ر وعوّدتنيه والخير عاده (١)

فارعوى باطلي وراجعني الح ... لم فأحدثت رهبة وزهاده

لو تراني ذكرت بي الحسن البص ... ريّ في حال نسكه أو قتادة

المسابيح في دراعي والمص ... حف في ليّتي مكان القلاده

فإذا شئت أن ترى طرفة تع ... جب منها مليحة مستفاده

فادع بي لا عدمت تقويم مثلي ... فتأمّل بعينك السّجّاده

لو رآها بعض المرائين يوما ... لاشتراها يعدّها للشهاده

أثر لاح للصّلاة بوجهي ... توقن النّفس أنه من عباده

وأذن بشار لأصحابه والمائدة بين يديه، فأكل ولم يدعهم لطعامه، ثم دعا بطشت وكشف عن سوأته فبال، ثم حضر الظهر والعصر والعشاء الأولى والآخرة، فلم يصلّ


(١) الأبيات في ديوان أبي نواس ص ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>