وريحان صدري كان حين أشمهّ ... ومؤنس قصري كان حين أغيب
وكانت يدي ملآنة ثم أصبحت ... بحمد إلهي وهي منه سليب
***
فلمّا شالت نعامته، وسكنت نأمته، بقيت عاما، لا أسيغ طعاما، ولا أريغ غلاما، حتّى ألجأتني شوائب الوحدة، ومتاعب القومة والقعدة؛ إلى أن أعتاض عن الدّرّ الخرز، وارتاد من هو سداد من عوز؛ فقصدت من يبيع العبيد، بسوق زبيد، فقلت: أريد غلاما يعجب إذا قلّب، ويحمد إذا جرّب؛ وليكن ممّن خرّجه الأكياس، وأخرجه إلى السّوق الإفلاس؛ فاهتزّ كلّ منهم لمطلبي ووثب، وبذل تحصيله عن كثب. ثمّ دارت الأهلّة دورها، وتقلّبت حورها وكورها، وما نجز من وعودهم وعد، ولا سحّ لها رعد.
فلمّا رأيت النّخّاسين، ناسين أو متناسين، علمت أن ليس كلّ من خلق يفري، وأن لن يحكّ جلدي مثل ظفري. فرفضت مذهب التّفويض، وبرزت إلىالسّوق بالصّفر والبيض.
***
شالت نعامته، أي ارتفع نعشه. ويقال في المصلوب: شالت نعامته، أي ارتفعت خشبته، وشالت نعامة القوم، أي ولّوا منهزمين، وهو مثل يضرب للانهزام وللهلاك وللتفرّق. وأنشد الشاعر:[الكامل]
تلقى خصاصة بيننا أرماحنا ... شالت نعامة أيّنا لم يفعل
يخاطب أعداءه وقد وافقهم، يقول: هلمّ نلقى في الفرجة الّتي بيننا أرماحنا، ونضرب بالسيوف، هلك وانهزم من لم يفعل، يدعو عليه وينسب ذلك للنعامة، لأنّ النعام موصوف بالسّخف والرّق والشراد. فإذا قالوا: شالت نعامتهم، وخفّت نعامتهم، ورقّ رأيهم، فمعناه إذا تركوا مواضعهم بجلاء أو بموت. ويقال: أحمق من نعامة، لأنها تنشر للطعام، فربما رأت بيضة نعامة أخرى وحدها فتحضنها، وتنسى بيضتها، ثم تجيء الأخرى فترى على بيضتها غيرها، فتمضي لوجهها، وإياها عني ابن هرمة بقوله:[المتقارب]
كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا (١)
(١) البيت لإبراهيم بن هرمة في ديوانه ص ٨٧، والحماسة الشجرية ٢/ ٩٠٢، والحماسة البصرية ٢/ ٢٧٧، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٧٣٧، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٧٥، وكتاب الصناعتين ص ١٢٣، ١٤٥، وعيون الأخبار ٢/ ١٠٢، ولسان العرب (شحح)، (جهز)، (هنبق).