وفي مدينة صنعاء من المجتهدين من يستغنى به عن القضاة المقلدين في جميع الأقطار اليمنية، مع أنه لا يسلم لهم الاجتهاد إلا من كان مثلهم أو مقاربا لهم.
وأما أسراء التقليد؛ فهيهات أن يذعن واحد منهم لأحد بالاجتهاد مع أن العلوم المعتبرة في الاجتهاد عند هؤلاء المقلدين؛ هي العلوم الخمسة المذكورة في كتب أصول الفقه (١) ، وهي بالنسبة إلى ما يحفظ من وصفناه من المجتهدين شيء يسير.
قال الماتن - رحمه الله -: " ومن غريب ما أحكيه لك: أنه لما كثر الخلط من قضاة حضرة الخلافة؛ استأذنت الخليفة - حفظه الله - في جمعهم لقصد ترغيبهم في العدل، وترهيبهم عن الجور، فاجتمع منهم نحو أربعين قاضيا، فسألتهم عن شيء مما يتعلق بشروط القضاء المدونة في كتب الفروع؟ فلم يهتد أحد منهم إلى الجواب على وجه الصواب؛ بل اعترفوا جميعا بالقصور عن فهم دقائق التقليد؛ فضلا عن معرفة علوم الاجتهاد أو بعضها!
وليت أنهم إذا قصروا في العلم لم يقصروا في الورع، فإن الورع يردع صاحبه عن المجازفة، ويرشده إلى أن شفاء العي السؤال، ويكفه عن التسلق لأموال المسلمين، ويرده عن التسرع إليها بأدنى شبهة.
ولعمري أن القاضي إذا جمع بين الجهل وعدم الورع أشد على عباد الله من الشيطان؛ لأنه يقضي بين الناس بالطاغوت؛ موهما لهم أنه إنما يقضي
(١) • وهي معرفة العربية، وأصول الفقه والمعاني والبديع، ومعرفة الآيات القرآنية الشرعية، ومعرفة جملة من الأخبار النبوية؛ انظر " تيسير الاجتهاد " (٢٣ - ٢٦) . (ن)