ومن أعظم موجبات تكثير بيت المال، وتوسيع دائرته العدل في الرعية، وعدم الجور عليهم، والقبول من محسنهم، والتجاوز عن مسيئهم.
وهذا معلوم بالاستقراء في جميع دول الإسلام والكفر، فما عدل ملك في رعيته؛ إلا ونال بعدله أضعاف أضعاف ما يناله الجائر بجوره، مع ما في العدل من السلامة من انتقام الرب - عز وجل - في هذه الدار، أو في دار الآخرة؛ فإنها جرت عادة الله - سبحانه - بمحق نظام الظلم، وخراب بنيانه، وهدم أساسه حتى صارت دول الظلمة من أعظم العبر للمعتبرين؛ فإنه لا بد أن يحل بهم من نكال الله وسخطه ما يعرفه من له فطنة واعتبار وتفكر، ومن نظر في تواريخ الدول؛ رأى من هذا ما يقضي منه العجب.
فالحاصل: أن الظالم ممن خسر الدنيا والآخرة:
أما خسران الآخرة؛ فواضح معلوم من هذه الشريعة بالضرورة.
وأما خسران الدنيا؛ فهو وإن تم له منها نصيب نزر فهو على كدر وتخوف، ونغص وتحيل، ووحشة من رعيته، فلا يزال متوقعا لزوال ملكه في كل وقت بسبب ما قد فعله بهم، وهم مع ذلك على بغضه، وهو منطو على بغضهم، وينضم إلى ذلك كله تناقص الأمر، وخراب البلاد، وهلاك الرعية، وفقر أغنيائهم، ففي كل عام هو في نقص؛ مع ما جرت به عادة الله - عز وجل - من قصم الظلمة وهلاكهم في أيسر مدة.
فأقل الملوك مدة أشدهم بطشا وأكثرهم ظلما، وهذا هو الغالب، وما