للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد خروج الأولى، كما أنه لا دليل - في قولك: جاءني القوم مثنى - أنه لم يصل الاثنان الآخران إليك؛ إلا وقد فارقك الاثنان الأولان.

إذا تقرر هذا؛ فقوله - تعالى -: {مثنى وثلاث ورباع} ؛ يستفاد منه جواز نكاح النساء اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، والمراد جواز تزوج كل دفعة من هذه الدفعات في وقت من الأوقات، وليس في هذه تعرض لمقدار عددهن؛ بل يستفاد من الصيغ الكثرة من غير تعيين؛ كما قدمنا في مجيء القوم، وليس فيه أيضا دليل على أن الدفعة الثانية كانت بعد مفارقة الدفعة الأولى، ومن زعم أنه نقل إلينا أئمة اللغة والإعراب ما يخالف هذا؛ فهذا مقام الاستفادة منه، فليتفضل بها علينا، وابن عباس إن صح عنه في الآية أنه قصر الرجال على أربع؛ فهو فرد من أفراد الأمة.

وأما القعقعة بدعوى الإجماع من المصنف وأمثاله، فما أهونها وأيسر خطبها عند من لم تفزعه هذه الجلبة، وكيف يصح إجماع خالفته الظاهرية (١) ، وابن الصباغ، والعمراني، والقاسم بن إبراهيم نجم آل الرسول، وجماعة من


(١) • قلت: ويجاب عن هذا؛ بأن هذا الخلاف لا يعتد به؛ لأنه طرأ بعد الإجماع، فقد نقله - كما تقدم منا - عبيدة السلماني - وهو من كبار التابعين -؛ بل إنه أدرك عصر النبوة؛ فإنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، ولم يلقه، ولذلك قال الذهبي في " التذكرة " (١ / ٤٧) : " كاد أن يكون صحابيا؛ أسلم زمن فتح مكة باليمن، وأخذ عنه علي، وابن مسعود، قال الشعبي: كان يوازي شريحا في القضاء ".
فمثل هذا الإمام إذا نقل إجماع أهل عصره - لا سيما وهم الصحابة، ومعرفة إجماعهم من المعاصر أيسر بكثير من معرفة إجماع غيرهم من معاصرهم لتفرقهم -؛ تطمئن النفس لصحته، ويؤيده أننا لم نعلم أن أحدا منهم - أعني: الصحابة - وغيرهم من السلف الصالح نقل تزوجه بأكثر من أربع؛ فتأمل. (ن)

<<  <  ج: ص:  >  >>