للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النقول، متشعبة الأطراف، قديمة الخلاف، والإحاطة بجميع ما فيها من الأقوال


= واحدا، ولكن فات الباحثين في هذا المقام أمر نراه أساساً للمسألة؛ وهو:
أن المعلوم بالبديهة من لغة العرب؛ أن وصف اللفظ بالعدد إنما هو إخبار عن وقوع الموصوف في الخارج بهذا اللفظ، فإذا قال القائل: قلت كذا خمس مرات؛ دل على أنه تلفظ به مرارا مكررة عددها خمس، وكذلك الإنشاء، ومنه قوله - تعالى -: {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} ؛ فإنه ليس يجزئ عنه أن يقول بلفظ واحد: أشهد بالله أربع شهادات: إني لمن الصادقين؛ بل يجب أن يقول: أشهد بالله ... الخ، ويكررها أربع مرات ...
وكذلك أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والتحميد والتهليل ثلاثا وثلاثين؛ إنما معناه أن يكرر كل واحد منها ثلاثا وثلاثين مرة.
وكذلك ما ورد أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم سلم ثلاثا؛ معناه أن يقول ثلاث مرات: " السلام عليكم ".
ومثل هذا لا يماري فيه أحد، ولم يختلف فيه اثنان.
إذن؛ فما الذي دل على إخراج الطلاق من هذه القاعدة الظاهرة الصحيحة؟ {اللهم} لا دليل إلا الوهم وانتقال النظر.
والذي نراه أن قول القائل: أنت طالق ثلاثا؛ لا يخرج عن أنه نطق بالطلاق مرة واحدة، وأنه لا يصلح أن يكون موضع خلاف بين الصحابة أو غيرهم؛ وإنما الذي اختلفوا فيه وأمضاه عمر بن الخطاب؛ هو ما إذا قال لامرأته ثلاث مرات كررها: أنت طالق؛ سواء كانت في مجلس واحد أو في مجالس متعددة؛ ما دامت في العدة؛ فهذا جعله عمر ثلاث تطليقات باعتبار أن الطلاق يلحق المعتدة؛ وهي قد صارت معتدة باللفظ الأول من التطليقات التي كررها المطلق ثلاث مرات، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر خلافة عمر؛ تعتبر المرة الأولى، ثم لا يلحقها بعد ذلك المرتان اللتان بعدها؛ لأنها معتدة، فلما تكرر في ألفاظ الصحابة والتابعين الكلام في وقوع الطلاق الثلاث أو عدمه؛ فهم منه الفقهاء أن المراد به هو لفظ: أنت طالق ثلاثا.
وهذا مما تنبو عنه قواعد اللغة، وبديهة العقل، وشاع ذلك فيهم، حتى أنكروا على من خالفه أشد الإنكار، ورموه بالكفر والتضليل، ولو رجعوا إلى عقولهم، وطبقوا ما سمعوا على مثل ما ورد في اللغة والكتاب والسنة؛ لوجدوا أنهم بعدوا جدا عن محل النزاع.
نعم؛ إن كثيرا من القائلين بوقوع الثلاث واحدة تنبهوا إلى وصف اللفظ بالعدد، ولكنهم جعلوه دليلا لهم في نصر أحد القولين، وأما نحن؛ فإنما نراه دليلا على أن وصف لفظ الطلاق بالعدد لا يصلح محلا للخلاف، وإنما هو طلاق واحد، وصف خطأ بعدد لم يتكرر في اللفظ.
ومحل الخلاف هو تكرار لفظ الطلاق كما قلناه، ولعلنا نوفق إلى زيادة إيضاح البحث وبسطه بحوله وقوته؛ والله الموفق. (ش)

<<  <  ج: ص:  >  >>