فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال:" انظرن من إخوانكن من الرضاعة؛ فإنما الرضاعة من المجاعة "؛ متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي قصة سالم مسلك؛ وهو أن هذا كان موضع حاجة؛ فإن سالما كان قد تبناه أبو حذيفة ورباه، ولم يكن له منه ومن الدخول على أهله بد، فإذا دعت الحاجة إلى مثل ذلك؛ فالقول به مما يسوغ فيه الاجتهاد.
ولعل هذا المسلك أقوى المسالك، وإليه كان شيخنا يجنح، والله تعالى أعلم ". انتهى.
أقول: الحاصل: أن الحديث المتقدم صحيح، وقد رواه الجم الغفير عن الجم الغفير؛ خلفا عن سلف، ولم يقدح فيه من رجال هذا الشأن أحد، وغاية ما قاله من يخالفه؛ أنه ربما كان منسوخا، ويجاب بأنه لو كان منسوخا لوقع الاحتجاج على عائشة بذلك، ولم ينقل أنه قال قائل به؛ مع اشتهار الخلاف بين الصحابة.
وأما الأحاديث الواردة بأنه لا رضاع إلا في الحولين وقبل الفطام؛ فمع كونها فيها مقال؛ لا معارضة بينها وبين رضاع سالم؛ لأنها عامة وهذا خاص، والخاص مقدم على العام، ولكنه يختص بمن عرض له من الحاجة إلى إرضاع الكبير ما عرض لأبي حذيفة وزوجته سهلة؛ فإن سالما لما كان لهما كالابن، وكان في البيت الذي هما فيه، وفي الاحتجاب مشقة عليهما؛ رخص صلى الله عليه وسلم في الرضاع على تلك الصفة.