للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٧- «فى سنة شهباء لم تبق لنا شيئا خرجت على أتان لى قمراء معها شارف «١» . كانت والله ما تبض «٢» . بقطرة، ولا ننام ليلتنا أجمع من صبينا الذى معنا من بكائه من الجوع، ما فى ثديى ما يغنيه، وما فى شارفنا ما يغذيه، ولكنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أذمت «٣» بالركب، حتى شق ذلك عليهم، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما معنا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أننا إنما كنا نرجو المعروف من أبى الصبى، فكنا نقول ما عسى أن تصنع أمه وجده!!

فما بقيت امرأة قدمت معى إلا أخذت رضيعا غيرى.

فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى: والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم اخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم، فلاخذنه.

قال: لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.

قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره.

فلما أخذته رجعت إلى رحلي، فلما وضعته فى حجرى أقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، حتى ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك.

وقام زوجى إلى شارفنا فإذا إنها لحافل.

فبتنا بخير ليلة، يقول صاحبى حين أصبحنا: تعلمى والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة.

قلت: والله إنى لأرجو ذلك، ثم خرجنا، وركبت أتانى وحملته عليها معي، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر على شيء من حميرهم، حتى أن صواحبى ليقلن: يا بنت أبى ذؤيب ويحك، اربعى علينا، أليست هذه أتانك التى كنت خرجت عليها. فأقول لهن: بلى والله إنها لهى.

قالت: ثم قدمنا منازلنا من بنى سعد، ولا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فكانت والله، غنمى تروح عليّ حين قدمنا به معنا- شباعا لبنا، فنحلب ونشرب منها.. حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم، ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبى ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعا لبنا، فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير.


(١) الأتان القمراء هى التى تميل إلى الخضرة، والشارف الناقة العجوز.
(٢) أى ما ترشح الناقة لنا بقطرة من اللبن نتغذى به لكبر سنها.
(٣) أى صارت مذمومة فى الركب.

<<  <  ج: ص:  >  >>