للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن السياق فى كل الصحاح من أخبار السيرة يستفاد منها أنه كان يتزود بالزاد، ويذهب منفردا ليتم له الاعتكاف بعيدا عن الأهل والصحاب، ولا يكون إلا فى حضرة الحبيب الذى لا شريك له وهو الله سبحانه وتعالى.

هذا هو المستفاد من معنى الاختلاء والاعتكاف، ولأنه كان يصرح بأنه يغدو صادرا عن أهله فى الشهر، ويعود دائما إلى أهله بعد أن ينقضى الشهر.

ولكن روى عن ابن إسحاق فى سيرته عبارة تفيد أنه كان يذهب إلى الغار بأهله، وإليك عبارة ابن إسحاق «كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره للكعبة الشريفة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله تعالى من ذلك. ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذى أراد الله تعالى به ما أراد من كرامته، من السنة التى بعثه الله تعالى فيها، وذلك الشهر شهر رمضان خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله» «١» ، وإن هذا الكلام يدل على أن الإيحاء. وهو كان فى الليله التى كانت فيها البعثة النبوية- لم يكن أهله معه، وفيما قبل ذلك كان يكون أهله معه، إذ أنه يصرح بأنه كان يخرج لجواره، ومعه أهله، ولكن لا تجد هذه العبارة فى غير ما نقله ابن إسحاق بل إن معنى الاختلاء والاعتكاف ربما لا يكون متناسقا مع وجود أهله معه، إذ أن معنى الاعتكاف للعبادة يقتضى الابتعاد عن الأهل، والاتجاه إلى الله تعالى واحده.

ولهذا نحن نميل إلى رد ما قاله ابن إسحاق، وإن لم يكن ثمة ما يسوغ لنا أن نقول أنه ربما كان يذهب مع أهله ولا يبقون معه، بل يذهبون فى صحبته، ثم يتركونه من بعد فى واحدته وعبادته.

١٩٣- والان نسوق الخبر، كما جاء فى صحيح البخارى وغيره من صحاح السنة.

يروى البخارى عن عروة بن الزبير عن خالته أم المؤمنين عائشة رضى الله تبارك وتعالى عنها أنها قالت: «أول ما بديء به الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء» «٢» .


(١) سيرة ابن هشام نقلا عن ابن إسحاق ج ١ ص ٢٣٦.
(٢) البداية والنهاية: ج ٣ ص ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>