للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى، فقال اقرأ فقلت ماذا أقرأ، فغتنى به. حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى، فقال اقرأ قال فقلت ماذا أقرأ ما أقول ذلك الا افتداء لى أن يعود لى بمثل ما صنع بى. فقال:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ. بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «١» قال فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عنى وهببت من نومى، فكأنما كتبت فى قلبى كتابا، فخرجت حتى إذا كنت فى وسط الجبل، سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله، وأنا جبريل، قال: فوقفت أنظر إليه، وما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف عنه وجهى فى افاق السماء فلا أنظر فى ناحية فيها إلا رأيته كذلك، فمازلت واقفا ما أتقدم أمامى، وما أرجع ورائى، حتى بعثت خديجة رسلها فى طلبى، فبلغوا أعلى مكان، ورجعوا إليها وأنا فى مكانى ذلك، ثم انصرف عنى» .

وإنه لا شك ثمة فرق جوهرى فى الخبرين:

١٩٥- فالخبر الذى جاءت به الصحاح يفيد بأن الالتقاء بالأمين جبريل عليه السلام كان فى صحو لا فى منام، والثانى يفيد أن الالتقاء كان فى المنام، لا فى الصحو، وإن كانت رؤيا كأنها الصحو، لأنه بعد أن استفاق من نومه تذكر كل ما قال لم ينس منه حرفا واحدا، فكان وحيا بلا ريب، والاختلاف بين الخبرين فى الرواية لا فى أصل المعنى، فهما متلاقيان غير متخالفين.

ومع هذا التلاقى فى المعنى، فإن هناك اختلافا فى الواقعة، أكانت فى نوم، أم كانت فى يقظة، وإن الكثيرين من العلماء قالوا مادام المعنى واحدا فى الروايتين وليستا متعارضتين، فإن التوفيق يكون بتكرار الواقعة، وقعت فى النوم، ووقعت فى اليقظة، فهى قد ابتدأت اللقاات بين محمد صلى الله عليه وسلم وروح القدس فى المنام، ثم كانت فى اليقظة والمنام، كان تمهيدا للمجاهرة فى اليقظة.

وقد وفق ذلك التوفيق ابن كثير فى البداية والنهاية وبناه على أن قول أم المؤمنين فى رواية للبخارى أول ما بديء به الوحى بالرؤيا الصادقة، فقد قال:

«فقول أم المؤمنين عائشة أول ما بديء به الوحى الرؤيا الصادقة، فكان لا يروى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، يقوى ما ذكره ابن إسحاق: ابن يسار عن عبيد بن عمر الليثى أن النبى صلى الله تعالى عليه


(١) سورة العلق: ١- ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>