وهكذا أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الفداء، لاينى عن ثرى، ولا يعفو إلا عمن يرجى منه خير للإسلام، أو من يمن عليه في نظير أن يمن على مسلم أخذوه عنوة من غير حرب، كما فعل أبو سفيان في معتمر من أصحاب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أخذه، حتى يفك أسار ابن له، ففك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إساره لذلك.
وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يقبل من الفداء نوعا معنويا، وهو تعليم الأميين من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا كان الأسير ليس له مال يفدى به نفسه، ولكن له علم بالقراءة، فإنه يكون فداؤه أن يعلم بعض الأميين من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم القراءة.
وقد من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على ناس من الأسرى، منهم من كان يظن فيه الإسلام، وقد شهد عبد الله بن مسعود لسهيل بن بيضاء بالإسلام، فقد قال سمعته يذكر الإسلام.
فقبل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم شهادته، ومن عليه.
وممن من عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبو العاص بن الربيع الأموى زوج زينب بنت الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، فكان زوجا بارا مكرما لزوجه غير مضار لها. وقد أرادت قريش أن تحمله على طلاقها كما طلق ابن أبى لهب ابنة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فتأبى عن ذلك.
فقد كانت زينب رضى الله تعالى عنها بمكة المكرمة فأرسلت فداء لزوجها البار الطيب وبعثت في ضمن الفداء قلادة لها، كانت أم المؤمنين خديجة قد أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى بها، فلما رآها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، أثارت ذكريات الزوج الرفيقة الشفيقة والرحم، فرق لذلك رقة شديدة.
وكان للرسول الأمين أن يطلق سراحه، كما أطلق سراح غيره من بنى مخزوم وغيرهم، ولكن لكيلا يكون في نفس أحد ضيق أو حديث نفس، ولتطيب النفوس كلها جعل إطلاق سراحه للصحابة، فقال:«إن رأيتم أن تطلقوا أسيرها، وتردوا عليها الذى لها» ففعلوا.
ويجب أن ننبه هنا لأمرين:
أولهما- أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رأى ألا تبقى من بعد في مكة المكرمة، وألا تكون في فراش العاص من بعد، فأخذ عليه عهدا أن يخلى سبيلها رضى الله عنها، بأن تهاجر إلى المدينة المنورة، فوفى أبو العاص بذلك.
ثانيهما- أنه لم يكن قد نزل التفريق بين المسلم وغير المسلم، لأنها لا تحل له، إذ أن ذلك نزل عند الحديبية في سورة الممتحنة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ