ولقد روى البيهقى عن ابن شهاب الزهرى أنه قال أن ابن عباس رضى الله عنهما ما مات حتى رجع عن هذه الفتيا، ولقد قال سعيد بن جبير لابن عباس: ما تقول فى المتعة، فقد أكثر الناس فيها، وأنه نقل عنك الفتوى بجوازها، فقال ابن عباس: والله ما أفتيت بهذا، وإلا فهى كالميتة لا تحل إلا للضرورة ونحن لا نجد أى ضرورة تبيحها حتى يكون أقرها عند الاضطرار كالميتة، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد صرح بأنه لا ضرورة عند الشباب تلجئهم إلى ذلك كما يدعى من لا حريجة للدين فى قلبه، فقد قال:«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» ومادام باب الصوم مفتوحا فإنه لا ضرورة تسوغ المتعة، أو ترخص فيها.
وإن فقهاء الشيعة الإمامية الذين جاؤا بعد عصر أئمة الشيعة ادعوا أنه لا نسخ فيها واستدلوا على بقائها بما يأتى:
أولا: أنه ثبت الإذن بها بالإجماع، فقد أجمع المسلمون على أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد أذن بها، وإن الأدلة التى ثبت فيها النسخ أخبار آحاد، وهى لا تنقض الأمر المجمع عليه، وقد روى عن ابن مسعود أنه أفتى بها، وفى الصحيحين أنه قال: رخص رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء، ثم قرأ قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ.
وأن عبارات النسخ التى وردت فى أقوال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إنما هى منصبة على الميراث والطلاق.
ثانيا: قالوا إن قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ تدل على إباحتها، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ.
وإن هذا الكلام غير صحيح فى جملته وتفصيله، وهو جاء بعد عهد الأئمة والأوصياء، وهو باطل من وجوه:
أولها: أن الآية التى ساقوها هى فى بيان أحكام النكاح الصحيح المرتب لآثار، ولم يكن موضوعها المتعة، إنما موضوعها النكاح، لأنها بيان لنهاية المحرمات، إذ يقول سبحانه وتعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ... إلى قوله تعالى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ، فالاستمتاع هو استمتاع الزوجين، يعرف هذا المدلول من له أدنى إلمام بالعربية، وفوق ذلك فإنه سبحانه وتعالى قال بعد ذلك: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ، وبدليل قوله