للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم، فنادوا محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بالرحم والقرابة، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصم آذانه عن نداء الرحم والقرابة، وهو الذى يأمر أن يوصل ما أمر الله تعالى بوصله.

وقد رأى الإسلام يدخل الطائف من مكة المكرمة وما حولها، وأن بعض بنى ثقيف دخلوا فى الإسلام وأكثرهم مال إليه، وما كان محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إلا هاديا داعيا إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وإن اللين مع من عندهم عنف كثقيف قد يكون سببا فى أن تصغى قلوبهم إلى الإسلام، بينما العنف يعمى قلوبهم ويغلظ أكبادهم ويزيدهم عنادا.

فرأى عليه الصلاة والسلام استجابة لداعى الرحم الذى أثاروه، والقرابة التى تنادوا بها، والإصلاح فى الأرض أن يرحل، وقد غاب عن المدينة المنورة أكثر من شهرين.

وإن ذلك كان فى شوال، وإذا استمر فإنه سيجيء ذو القعدة وهو من الأشهر الحرم، وما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليقاتل مهاجما فى الأشهر الحرم، التى هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذى بين جمادى وشعبان.

وموقف النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان موقف هجوم، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا يخالف أمر الله تعالى باحترام الأشهر الحرم.

لذلك أخذ فى الرحيل عائدا إلى المدينة المنورة بعد أن حاصر الطائف سبع عشرة ليلة، وفى رواية سبعا وعشرين ليلة، وقال ابن إسحاق: مكث بضعا وعشرين ليلة.

اتخذ النبى صلى الله تعالى عليه وسلم الأهبة فى الرحيل، وذكر أن الله تعالى لم يأذن له فى الطائف، وذكر ذلك لخويلة بنت حكيم بن أمية.

فخرجت خويلة وذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فقال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما حديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته. أفلا أؤذن بالرحيل، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: بلى، فأذن عمر رضى الله تعالى عنه بالرحيل.

رحل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى يثرب عائدا من تلك الرحلة المباركة غير مهزوم ولا مغلوب ولا عاجز، ولكنه قادر ومنفذ لحدود الله، غير مقاتل ولا مهاجم فى الشهر الحرام، مراعيا الرحم والقرابة، وآخذا القوم إلى الإسلام فى رفق وغير غلظة، وخرج من بين ظهرانيهم، ليلقى وفد هوازن وثقيف فى المدينة المنورة بين ظهرانى المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>