أنهم يقولون: نزل فلان من مكارم الأخلاق إلى دنيّها، أى أقبل إلى دنيها، ونزل قدر فلان عند فلان، أى انخفض. ومنها النزول بمعنى نزول الحكم، من ذلك قولهم: كنا فى خير وعدل حتى نزل بنا بنو فلان، أى حكمهم، وكل ذلك متعارف عند أهل اللغة، وإذا كانت هذه اللفظة مشتركة المعنى فينبغى حمل ما وصف به الرب تعالى من النزول على ما يليق به من بعض هذه المعانى. إما أن يراد به إقباله على أهل الأرض بالرحمة والتنبيه الذى يلقى فى قلوب أهل الخير منهم، والزواجر التى تزعجهم إلى الإقبال على الطاعة، ويحتمل أن يكون ذلك فعلا يظهر بأمره، فيضاف إليه، كما يقال: ضرب الأمير اللص، ونادى الأمير فى البلد، وإنما أمر بذلك، فيضاف إليه الفعل على معنى أنه عن أمره ظهر، وإذا احتمل ذلك فى اللغة لم ينكر أن يكون لله ملائكة يأمرهم بالنزول إلى السماء الدنيا بهذا النداء والدعاء، فيضاف إلى الله. وقد روى هذا التأويل فى بعض طرق هذا الحديث، روى النسائى، قال: حدثنا إبراهيم ابن يعقوب، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبى، عن الأعمش، حدثنا أبو إسحاق، حدثنا أبو مسلم، عن الأغر، قال: سمعت أبا هريرة، وأبا سعيد الخدرى يقولان: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (إن الله يمهل حتى يمضى شطر الليل الأول، ثم يأمر مناديًا ينادى يقول: هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى) . وقد سئل الأوزاعى عن معنى هذا الحديث، فقال: يفعل الله ما يشاء. وهذه إشارة منه إلى أن ذلك فعل يظهر منه تعالى.