فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) الْبَارِحَةَ فِى الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لا أَدْرِى، قُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا، قَالَ: بَلَى، قَقُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِى، قَرَأَ بسُورَةَ كَذَا وَكَذَا. قال المهلب: الفكر فى الصلاة أمر غالب لا يمكن الاحتراز من جميعه، لما جعل الله للشيطان من السبيل إلى تذكيرنا ما يسهينا به عن صلاتنا، وخير ما يستعمل به الفكر فى الصلاة ما هو فيه من مناجاة ربه، ثم بعده الفكر فى إقامة حدود الله، كالفكر فى تفريق الصدقة كما فعل النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، أو فى تجييش جيش الله، عز وجل، على أعدائه المشركين كما قال عمر. وروى هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قال عمر: إنى لأحسب جزية البحرين، وأنا فى الصلاة. ولذلك قال (صلى الله عليه وسلم) : (من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه) ، ليحض على الإقبال على الصلاة، وليجاهدوا الشيطان فى ذلك بما رغبهم فيه، وأعلمهم من غفران الذنوب لمن أجهد نفسه فيه، وهذا الانصراف من النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، لا يدخل فى معنى التخطى، لأن على الناس كلهم الانصراف بعد الصلاة، فمن بقى فى موضعه فهو مختار لذلك، وإنما التخطى فى الدخول إلى المسجد لا فى الخروج منه. وأما قوله (صلى الله عليه وسلم) : (اذكر كذا، اذكر كذا) ، فإن أبا حنيفة أتاه رجل قد رفع مالا، ثم غاب عن مكانه سنين، فلما انصرف نسى الموضع الذى جعله فيه، فذكر ذلك لأبى حنيفة تبركًا برأيه، ورغبة فى فضل دعائه، فقال أبو حنيفة: توضأ هذه الليلة وصل، وأخلص النية فى صلاتك لله، وفرغ قلبك من خواطر الدنيا ومن كل عارض فيها، فلما جاء الليل فعل الرجل ما أمره به، وأجهد أن لا يجرى على باله شىء من أمور الدنيا، فجاءه الشيطان فذكره بموضع المال، فقصده من وقته فوجده فيه، فلما أصبح غدا إلى أبى حنيفة، فأخبره بوجود المال، فقال أبو حنيفة: قدرت أن الشيطان سيرضى أن