قال: وأنبئت بأن يعقوب بن إسحاق، عليهما السلام، دخل عليه جاره، فقال: يا يعقوب، ما لى أراك قد تهشمت وفنيت، ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك، قال: هشمنى ما ابتلانى به من يوسف، فأوحى الله إلى يعقوب: أتشكونى إلى خلقى؟ قال: يا رب، خطيئة فاغفرها، قال: قد غفرتها لك. فكان إذا سئل بعد ذلك، قال:(إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله)[يوسف: ٨٦] . وقد توجع الصالحون على فقد الرسول وحزنوا له أشد الحزن، قال طاوس: ما رأيت خلقًا من خلق الله أشد تعظيمًا لمحارم الله من ابن عباس، وما ذكرته قط فشئت أن أبكى إلا بكيت، ورأيت على خديه مثل الشراكين من بكائه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . وقال أبو عثمان: ورأيت عمر بن الخطاب لما جاءه نعى النعمان بن مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكى. ولما مات سعيد بن أبى الحسن بكى عليه الحسن حولا، فقيل له: يا أبا سعيد، تأمر بالصبر وتبكى؟ قال: الحمد لله الذى جعل هذه الرحمة فى قلوب المؤمنين يرحم بها بعضهم بعضًا، تدمع العين، ويحزن القلب، وليس ذلك من الجزع، إنما الجزع ما كان من اللسان واليد. وقال يحيى بن سعيد: قلت لعروة: إن ابن عمر يشدد فى البكاء على الميت، فقال: قد بكى على أبيه. وبكى أبو وائل فى جنازة خيثمة. فهؤلاء معالم الدين لم يروا إظهار الوجد على المصيبة بجوارح الجسم إذا لم يجاوزوا فيه المحذور خروجًا من معنى الصبر، ولا دخولاً فى معنى الجزع. وقد بكى (صلى الله عليه وسلم) على ابنته زينب، وعلى ابنه إبراهيم،