خاصة، ليتعظ بذلك فساق الأحياء، فإذا صار الميت فى قبره وجب الإمساك عنه لإفضائه إلى ما قدم كما قال (صلى الله عليه وسلم) ، فسقط التعارض. فإن قيل: فلا حجة فى جواز تجريح المحدثين، لأن الضرورة دعت إلى ذلك حياطة لحديث النبى، (صلى الله عليه وسلم) ، فجاز تخصيصهم للضرورة. قيل له: هو مثل الذى غلب عليه الفسق، فوجب ذكر فسقه تحذيرًا من حاله، وهو من هذا الباب، ومثله، مما لا اعتراض لك فيه، ذكره (صلى الله عليه وسلم) للذى يعمل حسنة وهو مؤمن، فبذلك غفر له، فذكره بقبيح عمله إذا كان الغالب على عمله الشرّ انتفع بخشية الله تعالى. قال المؤلف: فإن قال قائل: فإن حديث أنس مخالف لحديث عمر، لأنه لم يشترط فى الذين أثنوا على الجنازة خيرًا وشرًا عددًا من الناس لا يجزئ أقل منهم، وأحال فى ذلك (صلى الله عليه وسلم) ما يغلب على الرجل بعد موته عند جملة من الناس من ثناء الخير والشر، أنه المحكوم به له فى الآخرة، وقد جاء بيان هذا فى حديث آخر:(إن الله إذا أحب عبدًا أمر الملائكة أن تنادى فى السماء: ألا إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يجعل له القبول فى الأرض، وإذا أبغض عبدًا. . . .) كذلك فهو معنى قوله: (أنتم شهداء الله فى الأرض) لأن المحبة والبغضة من عنده تعالى، ويشهد لصحة هذا قوله تعالى:(وألقيت عليك محبة منى)[طه: ٣٩] . فإن قيل: فهذا المعنى مخالف لحديث عمر، لأنه شرط فيه أربعة شهداء، أو ثلاثة، أو اثنين، وفى الحديث الأول شرط جملة كثيرة من المؤمنين، وإن لم يحصرهم عدد. قيل: ليس كما توهمت، وإنما