فإن قيل: فما تقول فيمن قبل ممن لم يتبين من أين أخذ المال ولا فيما وضعه؟ . قيل: ذلك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: فما علمت يقينًا أنه حلال فلا أستحب رده، وما علمت يقينًا أنه حرام فلا أستحل قبوله وما لم أعلم وجه مصيره ولا سبب وصوله إليه، فذلك ما قد وضع عنى تكلف البحث عن أسبابه، وألزمنى فى الظاهر الحكم بأنه أولى به من غيره، ما لم يستحقه عليه مستحق، كما أحكم بما فى يد أعدل العدول أنه أولى بما فى يده ما لم يستحقه عليه مستحق، فسوى عز وجل بين حكم أفضل خلقه فى ذلك وأفجرهم، فالواجب على التسوية فى قبول عطية كل واحد منهما وردها من جهة ما يحل ويحرم، وإن اختلفا فى أن البر أحق بأن يسر بقبول عطيته من الفاجر. فإن قيل: يجوز على هذا مبايعة من يخالط، ماله الحرام وقبول هداياه؟ . قيل: قد كره ذلك قوم وأجازه آخرون، فممن كرهه: عبد الله بن يزيد، وأبو وائل، والقاسم، وسالم، وروى أنه توفيت مولاة لسالم كانت تبيع الخمر بمصر فترك ميراثها، وكانت تبيع مولاة للقاسم الفضة بالفضة متفاضلة فترك ميراثها أيضًا، وقال مالك: قال عبد الله بن يزيد بن هرمز: إنى لأعجب ممن يرزق الحلال فيرغب فى الربح فيه الشىء اليسير من الحرام فيفسد المال كله، وكره الثورى المال الذى يخالطه الحرام. وأما الذين أجازوا ذلك، فروى عن ابن مسعود أن رجلا سأله فقال: إن لى جارًا لا يتورع من أكل الربا، ولا من أخذ ما لا يصلح، وهو يدعونا إلى طعامه، وتكون