للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخرون: بل ذلك ندب إلى قبول هدية السلطان دون غيره. وروى عن عكرمة أنه قال: إنا لا نقبل إلا من الأمراء. قال الطبرى: والصواب عندى أنه ندب منه (صلى الله عليه وسلم) أمته إلى قبول عطية كل معط جائز عطيته، سلطانًا كان أو رعية، وذلك أن الرسول قال لعمر: (ما آتاك الله من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فاقبله) ، فندبه (صلى الله عليه وسلم) إلى قبول كل ما آتاه الله من المال من جميع وجوهه من غير تخصيص وجه من الوجوه دون غيره، سوى ما استثناه (صلى الله عليه وسلم) ، وذلك ما جاء من وجه حرام عليه، فلا يحل له قبوله، كالذى يغصب رجلاً مسلمًا ماله ثم يعطيه بعينه آخر، والذى يُعطاه يعلم غصبه، أو سرقته، أو خيانته، فإن قبله كان واجبًا عليه رده. فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفت من أنه لا يحرم على امرئ قبول عطية أحد يجوز حكمه فى ماله إلا عطية حرم الله قبولها، فما وجه فعل من رد عطايا السلاطين، وامتنع من قبول هدايا الأمراء، وقد ندب (صلى الله عليه وسلم) إلى قبول عطية كل أحد؟ . قيل له: إن من رد من ذلك شيئًا إنما كان على من كان الأغلب من أمره أنه لا يأخذ المال من وجهه، فرأى أن الأسلم لدينه والأبرأ لعرضه ترك قبوله إذ كان الأمر بالقبول غير حتم واجب، وإنما هو ندب إلى قبول ما لا شك فى حله، فإذا كان فيه لبس فالحق ترك قبوله، وما لم يكن حلالاً يقينًا فلم يدخل فى أمره (صلى الله عليه وسلم) عمر بقبوله، فأحله محل الشبهات التى مَنْ وَاقَعَها لم يُؤمَنْ منه مواقعة الحرام.

<<  <  ج: ص:  >  >>