لا يتوجهون جهة إلا لهم فيها عدو، فلا يستطيعون تصرفًا فى البلاد ابتغاء المعاشر فيستغنوا به عن الصدقة رهبة للعدو وخوفًا على أنفسهم. وقوله:(لا يسألون الناس إلحافًا)[البقرة: ٢٧٣] اختلف المفسرون فى تأويله، فقيل: يسألون ولا يلحفون فى المسألة، وقيل: إنهم لا يسألون الناس أصلا، قال ابن الأدفوى: أى لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف كما قال امرؤ القيس: على لاحبٍ لا يهتدى لمناره أى: ليس له منار يهتدى بها، والدليل على أنهم لا يسألون وصف لله لهم بالتعفف، ولو كانوا أهل مسألة لما كان التعفف من صفتهم. قال المؤلف: ويشهد لهذ التأويل قوله (صلى الله عليه وسلم) : (ليس المسكين الذى يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذى لا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس) ، واحتج من أوجب لهم السؤال، ونفى عنهم الإلحاف بقوله فى الحديث الأول:(ولكن المسكين الذى ليس له غنى ويستحى، أو لا يسأل الناس إلحافًا) . قالوا: والمسألة بغير إلحاف مباحة إلى المضطر إليها، يدل على ذلك ما رواه مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بنى أسد، عن رسول الله قال:(من يسأل الناس وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافًا) فدل هذا الحديث أن من لم يكن له أوقية فهو غير ملحف ولا ملوم فى المسألة، ومن لم يكن ملومًا فى مسألته، فهو ممن يليق به اسم التعفف، وليس قول من قال: لو كانوا أهل مسألة لما كان التعفف من صفتهم بصحيح، لأن