للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السؤال المذموم إنما هو لمن كان غنيًا عنه لوجود أوقية أو عدلها. فالحديثان مختلفان فى المعنى لا ختلاف ظاهرهما، فالحديث الأول: نفى فيه الإلحاف، ودل على السؤال، والحديث الثانى: نفى فيه السؤال أصلاً، وانتفى فيه الإلحاف بنفى السؤال، وإنما اختلف الحديثان لا ختلاف أحوال السائلين، لأن الناس يختلفون فى هذا المعنى، فمنهم من يصبر عن السؤال عند الحاجة ويتعفف، ويدافع حاله، وينتظر الفرج من الله تعالى، ومنهم من لا يصبر ويسأل بحسب حاجته وكفايته، ومنهم من يسأل وهو يجد للاستكثار، وهذا هو الملحف الذي لا ينبغى له المسألة، وقد يحتمل أن يكون الحديثنا معناهما واحد فى نفى السؤال أصلا، ويحتمل أن يكونا جميعًا حقيقى المعنى فى إثبات السؤال، ونفى الإلحفاف. فإن قيل: كيف وقد قال فى الحديث الواحد: (لا يقوم فيسأل الناس؟) قيل: فى أكثر أمره وغالب حاله، ويلزم نفسه التعفف عن المسألة حتى تغلبه الحاجة والفقر، ويقع سؤاله فى النادر والشاذ، كما قال (صلى الله عليه وسلم) : (لا يضع عصاه عن عاتقه) ومعلوم أنه أراد فى بعض الأوقات، وكما قال: (لا تحل الصدقة لغنى ولا لذى مرة سوى) وقد يحل له فى بعض الأوقات، ومن كان سؤاله عند الضرورة وفى النادر، فليس بملحف فى المسألة، واسم التعفف أولى به، لدليل حديث عطاء بن يسار. وقوله: (ليس المسكين الذى ترده اللقمة واللقمتان) يريد ليس المسكين المتكامل أسباب المسكنة، لأنه بمسألته يأتيه الكفاف والزيادة عليه، فيزول عنه اسم المبالغة فى المسكنة، وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>