للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاصيًا ولا فارا بخُرْبة) فلم ينكر ذلك عليه أبو شريح، وقال قتادة فى قوله تعالى: (وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [آل عمران: ٩٧] كان ذلك فى الجاهلية، فأما اليوم فلو سرق فى الحرم قُطع، ولو قَتل فيه قُتل، ولو قُدر فيه على المشركين قُتلوا، ولا يمنع الحرم من إقامة الحدود عند مالك، واحتج بعض أصحابه بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة من القتل، وهذا القول أولى بالصواب؛ لأن الله تعالى أمر بقطع السارق، وجلد الزانى، وأوجب القصاص أمرًا مطلقا ولم يخص به مكانا دون مكان، وفإقامة الحدود تجب فى كل مكان على ظاهر الكتاب. ومما يشهد لذلك أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقتل الفواسق المؤذية فى الحرم، فقام الدليل من هذا أن كل فاسق استعاذ بالحرم أنه يقتل بجريرته، ويؤخذ بقصاص جُرْمه. وقال إسماعيل بن إسحاق: وقد أنزل الله الحدود والأحكام على العموم بين الناس، فلا يجوز أن يترك حكم الله فى حرم ولا غيره؛ لأن الذى حرم الحرم هو الذى حرم معاصيه أن ترتكب، وأوجب فيها من الأحكام ما أوجب. وسيأتى طرف من هذه المسألة فى باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، فى كتاب الديات إن شاء الله. وذكر الطحاوى عن أبى حنيفة وزفر وأبى يوسف ومحمد كقول ابن عباس، إلا أنهم يجعلون ذلك أمانا فى كل حد يأتى على النفس من حدود الله وحدود عباده، مثل أن يزنى وهو محصن، أو يرتد عن الإسلام، أو يقتل رجلا عمدًا، أو يقطع طريق المسلمين، فيجب عليه القتل فيلجأ إلى الحرم فيدخله، ولا يجعلون ذلك على الحدود التى لا تأتى على النفس، كقطع السارق والقود فى قطع الأيدى وشبهها، والتعزير الواجب بالأقوال الموجبة للعقوبات.

<<  <  ج: ص:  >  >>