للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال المؤلف: وحكى ابن المنذر مثله عن أبى يوسف والشافعى. قال الطبرى: وعلة هذه المقالة أن النهى إنما ورد فى الاختلاء دون الرعى فيها، والراعى غير مختل؛ لأن المختلى هو الذى يقطع الخلى بنفسه. وقال آخرون: لا يجوز الرعى فيها؛ لأن الرعى أكثر من الاختلاء. هذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد، قالوا: لو جاز أن يرعى فيها جاز أن يحتش فيه إلا الإذخر خاصة. وقال مالك: لا يحتش أحد لدابة. واعتلوا بقوله عليه السلام: (لا يختلى خلاها) واختلاؤه: استهلاك له وإماتة، وإرعاء المواشى فيه أكثر من احتشاشه فى الاستهلاك. فإن قيل: فقد قلتم إن العلماء متفقون على أن النهى من الاختلاء المراد به ما أنبته الله لم بكن لآدمى فيه صنع، فكيف جوزتم اجتناء الكمأة، وهى مما أنبته الله تعالى ولا صنع فيها لبنى آدم؟ فيقال له: إنما أجزنا ذلك؛ لأن الكمأة لا يقع عليها اسم شجر ولا حشيش، وفى إجماع الجميع على أنه لا بأس بشرب مياه آبار والانتفاع بترابه، الدليل الواضح على أن ما أحدث الله فى حرمه مطلق أخذه والانتفاع به كالمكأة؛ لأنها لا تستحق اسم كلأ ولا شجر، وإنما هى كبعض ما خلق فيها من الحجر والمدر والمياه؛ إذ لا أصل لها ثابت. فإن قيل: كيف ساغ للعباس أن يسأل النبى (صلى الله عليه وسلم) استثناء الإذخر، وهو يسمعه يحرم الاختلاء وقطع الشجر؟ قيل: فى ذلك جوابان: قال المهلب: يحتمل أن يكون تحريم مكة خاصَّةً من تحريم الله تعالى ويكون سائر ما ذكر فى الحديث من تحريم الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فلذلك استثنى الإذخر، ولو كان من تحريم الله ما استبيح منه إذخر ولا غيره، وقد تأتى فى آية وفى حديث أشياء فرض، ومنها سنة، ومنها رغبة، ويكون الكلام فيها كل واحد، قال الله تعالى: (يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>