قال المؤلف: ويمكن أن يُتأولَ حديثُ أنسٍ وعُقبةَ بوجهٍ موافقٍ لفقهاء الأمصار، حتى لا ينفرد أهل الظاهر بالقول بهما وذلك أن فى نصهما ما يبيِّن المعنى فيهما، وهو أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رأى شيخًا يهادى بين ابنيه فقال: (إن الله لغنى عن تعذيب هذا نفسه) فبان واتضح أنه كان غير قادر على المشى، وممن لا ترجى له القدرة عليه، ومن كان غير قادر على شىء سقط عنه. والعلماء متفقون أن الوفاء بالنذر إنما يكون فيما هو لله طاعة، والوفاء به بِر، ولا طاعة ولا بِرَّ فى تعذيب أحدٍ نفسهَ، فكأن هذا الناذر على نفسه ما لا يقدر على الوفاء به، وكان فى معنى أبى إسرائيل الذى نذر ليقومن فى الشمس ولا يستظل ويصوم ذلك اليوم فأمره عليه السلام بكفارة وقد روى فى حديث عقبة بن عامر ما يدل أن أخته كانت غير قادرة على المشى، فلذلك لم يأمرها عليها السلام بالهَدْى. روى الطبرى قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا محمد بن أبى يحيى الأسلمى، حدثنا إسحاق بن سالم، عن عقبة بن عامر (أن أخته نذرت أن تمشى إلى الكعبة، وهى امرأة ثقيلة، والمشى يشق عليها، فذكر ذلك عقبة للنبى عليه السلام فقال: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، مُرها فلتركب) فصح التأويل أنها نذرت وهى فى حال من لا يُرجى له القدرة على الوفاء بما نذرت كأبى إسرائيل، والعلماء مجمعون على سقوط المشى على من لا يقدر عليه، فسقوط الهَدْى أَحْرَى، وإن كان مالك يستحب الهدى لمن عجز عن المشى.