لنا حرة مأطورة بجبالها بنى العز فيها بيته فتأثلا وقوله: مأطورة يعنى: مقطوعة بجبالها لاستدارتها، وإنما جبالها الحجارة السود التى تسمى: الجرار. قال المهلب: وإنما أدخل حديث أنس فى بناء المسجد فى هذا الباب بعد قوله: (لا يقطع شجرها) ليعرفك أن قطع النخل ونبش قبور المشركين ليس هو القطع الذى نهى عنه فى تحريم المدينة؛ لأن قطع النخيل كان لتبوئ المسلمين مسجدًا. ففى هذا من الفقه أن من أراد أن يتخذ جنانًا فى حرم ليعمرها، ويغرس فيها النخل، ويزرع فيها الحبوب، أنه لا يتوجه إليه النهى عن قطع شجرها، ولا يمنع من قطع ما فيه من شجر الشعر أو شوكها؛ لأنه يبتغى الصالح والتأسيس للسكنى فى موضع العمارة، فهذا يبين وجه النهى أنه موقوف على المفسد لبهجة المدينة وخضرتها لعين المهاجر إليها حتى تبتهج نفسه لنضرتها ويرتاح بمبانيها، وإن كان ابتهاجه بمسجدها بيت الله تعالى ومنزل ملائكته ومحل وحيه أعظم والسرور به أشد. وقيل: قطعه عليه السلام للنخيل من موضع المسجد يدل أن النهى إنما يتوجه إلى ما اثبته الله من المسجد مما لا صنع فيه لآدمى؛ لأن النخيل التى قطعت من موضع المسجد كانت من غرس الآدميين؛ لأنه طلب شراء الحائط من بنى النجار إذ كان ملكًا لهم، فقالوا: لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، وعلى هذا التأويل حمل نهيه عليه السلام عن قطع شجر مكة. واتفق مالك والشافعى وأحمد وجمهور الفقهاء على أن الصيد محرم فى حرم المدينة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: صيد المدينة غير محرم، كذلك قطع