قال ابن القصار: والدليل على سقوط الجزاء أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما حرم المدينة وذكر ما ذكر لم يذكر جزاءً على من قتل الصيد بها، وما كان من جهته عليه السلام لم يكن تبيان لما فى القرآن فليس محرم تحريم القرآن، وإنما هو مكروه حتى يكونَ بَيْنَ تحريمه وتحريم القرآن فرق. فإن احتجوا بحديث سعد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (من وجدتموه يصيد فى حرم المدينة ويقطع شجرها؛ فخذوا سلبه) فلم يصح عند مالك ولا رأى العمل عليه بالمدينة، ولو صح الحديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأوجب الجزاء على من لا سلب له، ولو لم يكن على القاتل إلا ما ستر به عورته لم يجز أخذه وكشف عورته، فثبت أن الصيد ليس بمضمون أصلا. ألا ترى أن صيد مكة لما كان مضمونًا لم يفترق حكم الغنى والفقير ومن له سلب ومن لا سلب له فى أنه مضمون عليه فى أى وقت قدر. وقد قال مالك: لم أسمع أن فى صيد المدينة جزاءً، ومن مضى أعلم ممن بقى، فقيل له: فهل يؤكل؟ فقال: ليس كالذى يصاد بمكة وإنى لأكرهه. قال المهلب: وفى حديث أنس وعلى من الفقه لعنة أهل المعاصى والعناد لأوامر النبى عليه السلام. وفيه: أن المحدث فى حرم المدينة والمؤوى للمحدث فى الإثم سواء. وقول بنى النجار:(لا نطلب ثمنه إلا من الله) فيه من الفقه إثبات الأحباس المراد بها وجه الله؛ لأنهم وهبوا البقعة للمسلمين حبسًا موقوفًا عليهم، فطلبوا الأجر على ذلك من الله. وفى حديث أبى هريرة من الفقه أن للعالم أن يقول على غلبة الظن، ثم ينظر فيصح النظر، ويقول بعد ذلك، كما قال عليه السلام لبنى حارثة.