وأما قوله:(وصححها) ففيه من الفقه أن الله أباح للمؤمن أن يسأل ربه صحة جسمه وذهاب الآفات عنه إذا نزلت به، كسؤاله إياه فى الرزق والنصر، وليس فى دعاء المؤمن ورغبته فى ذلك إلى الله لوم ولا قدح فى دينه، وقد كان من دعاء النبى (صلى الله عليه وسلم) كثيرًا أن يقول: (وقونى فى سبيلك) وفى هذا رد على الصوفية فى قولهم: إن الولى لا تتم له الولاية إلا تم له الرضا بجميع ما نزل به ولا يدعوا الله فى كشف ذلك عنه، فإن دعا فليس من الولاية فى حال الكمال، وقد [. . . . . .] فى قولهم هذا بمحمد عليه السلام وأصحابه، وقد كان إذا نزل به شىء يكثر عليه الدعاء والرجاء فى كشفه. وأما قوله:(وانقل حُمَّاها إلى الجحفة) فكانت الجحفة يومئذ دار شرك، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كثيرًا ما يدعوا على من لم يجب إلى الإسلام إذا خاف منه معونة أهل الكفر، حين يئس منهم فقال (صلى الله عليه وسلم) : (اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف) ودعا على أهل الجحفة بالحمى ليشغلهم بها، فلم تزل الجحفة من يومئذ أكثر بلاد الله حمى، وإنه يتقى شرب الماء من عينها الذى يقال له: عين حم، وقَلَّ من شرب منه إلا حُمَّ، وهو متغير الطعم. وقوله:(رفع عقيرته) يعنى: صوته، وأصل ذلك عند العرب أن رجلا قطعت إحدى رجليه فرفعها ووضعها على الأخرى وصرخ بأعلى صوته؛ فقيل لكل رافع صوته: قد رفع عقيرته، ففيه من المعانى جواز هذا النوع من الغناء، وهو نشيد الأعراب للسفر بصوت رفيع.